فإن كنت تهذي بذكر الأَمْوَات عِنْدَ عروض
الحَاجَات من دون اعْتِقَاد مِنْك لَهُم فأنت مصاب بعقلك، وَهَكَذَا إن كنت تَنحَر
لله وتَنذِر لله فلأيِّ مَعْنى جَعَلتَ ذَلِكَ للميت، وحَمَلتَه إِلَى قبره؟ فإن
الفقراء عَلَى ظَهْرِ البسيطة فِي كل بقعة من بقاع الأَرْض، وفِعلُك وأنت عاقلٌ لا
يَكُون إلاَّ لِمَقْصِدٍ قَد قَصَدتَه أو أمرٍ قَد أَرَدتَهُ، وإلا فأنت مجنونٌ
قَد رُفِعَ عنك القَلَمُ، ولا نوافقك على دعوى الجنون إلاَّ بعد صدور أفعالك
وأقوالك في غير هذا على نمط أفعال المجانين فإن كنت تصدرها مصدر أفعال العُقَلاَء فأنت
تَكذِب عَلَى نفسِك فِي دعواكَ الجُنُون فِي هَذَا الفِعْل بخصوصه،
****
قَوْله: «فإن كنت تهذي بذكر الأَمْوَات عِنْدَ عروض الحَاجَات من دون اعْتِقَاد
مِنْك لَهُم فأنت مصاب بعقلك»؛ أي: إِذا كنت تهذي بِشَيْءٍ لم تقصده فأنت
مجنون؛ لأن المَجْنُون يهذي بِشَيْءٍ لم يقصده بقلبه فأنت من المجانين، وتقول:
إنني لم أَقصِد، وأنت تهذي بلسانك وتَصرخ وتنادي! إِذًا أَنْتَ مجنون، تحتاج إِلَى
من يُحكِم وَثاقَكَ.
قَوْله:
«وَهَكَذَا إن كنتَ تَنحر لله وتَنذر لله
فلأي مَعْنى جَعلتَ ذَلِكَ للميت، وحَملتَه إِلَى قبره؟» فمن يَقُول: أنا لا
أَذْبَح إلاَّ لله، وَلَكِن ذَهَبتُ لأَذبَح عِنْدَ قبر المَيِّت؛ نَقُول لَهُ: ما
الَّذِي يأتي بك إِلَى قبر المَيِّت، لم لا تَذبَح لله فِي أي مَكَان من أَرْض
الله بَعِيدًا عَن القبور، فما ذَهَبتَ إِلَيْهَا إلاَّ لأنك تَقصِدها.
قَوْله: «فإن الفقراء عَلَى ظَهْرِ البسيطة فِي كل بقعة من بقاع الأَرْض»؛ أي: إِذا كنت تَقصِد التَّقَرُّب إِلَى الله والتَّصدُّق عَلَى الفقراء،