فإن قلتَ: إن المشركين كَانُوا لا يُقِرُّون
بِكَلِمَة التَّوْحِيد، وهؤلاء المعتقدون فِي الأَمْوَات يُقِرُّون بها.
****
قَوْله: «إن المشركين»؛ أي: المُشْرِكُونَ فِي الجَاهِلِيَّة «كَانُوا لا يُقِرُّون بِكَلِمَة
التَّوْحِيد»، فقد أَبَوْا أَنْ يَقُولُوها، كما قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُمۡ كَانُوٓاْ
إِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ يَسۡتَكۡبِرُونَ ٣٥وَيَقُولُونَ
أَئِنَّا لَتَارِكُوٓاْ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٖ مَّجۡنُونِۢ ٣٦﴾ [الصَّافَات: 35- 36]، ولَمَّا قَالَ لَهُم الرَّسُول
صلى الله عليه وسلم: «قُولُوا: لاَ إِلَهَ
إلاَّ اللهُ»، قَالُوا: ﴿أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ
عُجَابٞ ٥وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ
إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ ٦﴾
[ص: 5، 6]؛ يَعْنِي: لا تقولوا: «لاَ
إِلَهَ إلاَّ اللهُ»؛ لأنكم إِذا قُلتُمُوها كَفَرتُم بآلهتكم، وَلَكِن
اصبِرُوا عَلَيْهَا ولا تَترُكُوها، كما قَالَ قوم نُوح عليه السلام: ﴿لَا تَذَرُنَّ
ءَالِهَتَكُمۡ﴾ [نُوح: 23]؛ لأن نوحًا عليه
السلام دعاهم إِلَى عبَادَة الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، فَقَالُوا: ﴿لَا تَذَرُنَّ
ءَالِهَتَكُمۡ﴾ وَكَذَلِكَ هَؤُلاَءِ
المُشْرِكُونَ، قَالُوا: لا تَترُكُوا آلهتكم؛ لأنكم إِذا قُلتُم «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ» لَزِمَكُم أن
تَترُكُوا آلهتكم، وأن تُفرِدُوا اللهَ بِالعِبَادَةِ.
قَوْله: «وهؤلاء المعتقدون فِي الأَمْوَات يُقِرُّون بها» يُقِرُّون بِـ «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ» لفظًا لا مَعْنى، فَهُم يَنطِقون بها، وَلَكِن لا يَلتزمون بِمَعْنَاهَا ومدلولها، وَهِيَ لا تفيدهم شَيْئًا حَتَّى يُحقِّقوا مَعْنَاهَا ويَلتزموا به، وهذه مَسْأَلَة عَظِيمَة يَجِب فَهمُها.