×
فتح الولي الحميد في شرح كتاب الدر النضيد

قلتُ: هَؤُلاَءِ إِنَّمَا قالوها بِأَلْسِنَتِهِم وخالَفُوها بأفعالهم، فإن من استغاث بالأموات، أو طَلَبَ مِنْهُمْ ما لا يَقدِرُ عَلَيْهِ إلاَّ اللهُ سبحانه وتعالى أو عَظَّمَهم، أو نَذَرَ عَلَيْهِمْ بجزء من ماله، أو نَحَرَ لَهُم فقد نَزَّلَهم مَنْزِلَة الآلِهَة الَّتِي كَانَ المُشْرِكُونَ يَفعلون لها هَذِهِ الأفعال، فَهُوَ لم يَعتقد مَعْنى «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ»، ولا عَمِلَ بها، بل خَالَفَها اعْتِقَادًا وعَمَلاً،

****

  قَوْله: «قلتُ: هَؤُلاَءِ إِنَّمَا قالوها بِأَلْسِنَتِهِم»؛ أي: هَؤُلاَءِ القُبُورِيُّونَ إِنَّمَا قالوها بِأَلْسِنَتِهِم فَقَط، وَلَمْ يقولوها بقلوبهم وعَمَلِهم، فلم يَترُكوا ما نَفَتْهُ هَذِهِ الكَلِمَة، لأن هَذِهِ الكَلِمَة تنفي وتُثبِت، تنفي العِبَادَة عَن غير الله، وتُثبِت العِبَادَة لله وحده، فَهُم أَخَذُوا مُجَرَّد اللَّفْظ دون التزام بِمَعْنَاه.

قَوْله: «قالوها بِأَلْسِنَتِهِم، وخالَفوها بأفعالهم» هَذَا وَاضِح، فهم يَقُولُونَ: «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ»، ثُمَّ يَقُولُونَ: يا عَلِيّ، يا حسين، يا عبد القَادِر، يا بدوي... وَهَكَذَا.

قَوْله: «أو طَلَبَ مِنْهُمْ ما لا يَقدِرُ عَلَيْهِ إلاَّ اللهُ سبحانه وتعالى » هَذَا القيد لَيْسَ بلازم؛ لأن الأَمْوَات لا يَقدِرون عَلَى شَيْء، فَلاَ يُقَال: إنه يَطلُب مِنْهُمْ ما يَقدِرُون عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُم لا يَقدِرُون عَلَى شَيْءٍ البَتَّة، قَد انتَهَتْ أَعْمَالُهم، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ» ([1])، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِن تَدۡعُوهُمۡ لَا يَسۡمَعُواْ دُعَآءَكُمۡ وَلَوۡ سَمِعُواْ مَا ٱسۡتَجَابُواْ لَكُمۡۖ [فَاطِر: 14] فَلاَ يُقَال: إن الأَمْوَات يُدْعَون فِيمَا يَقدِرُون عَلَيْهِ مِثْل الأَحْيَاء، بل هَذَا فِي الأَحْيَاء


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (2682).