×
فتح الولي الحميد في شرح كتاب الدر النضيد

 انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُْفُقَ، فَقِيلَ: هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ، وَمَعَ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ»، فقام عُكَّاشة بْن محصن رضي الله عنه فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ»، فَقَالَ: «أَنْتَ مِنْهُمْ»، ثُمَّ قام رَجُل آخَرُ فَقَالَ: يا رَسُول اللهِ، ادْعُ اللهَ أنْ يَجْعَلَني مِنْهُمْ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ» ([1])، فلم يقل لَهُ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم: أَنْت لا تستحق، أَنْت لستَ مِثْل فلان، بل قَالَ لَهُ: «سَبَقَكَ بها عُكَّاشةُ»، فَقَوْله: «ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ»، فيه دَلِيلٌ عَلَى طَلَبِ الدُّعَاء من الحَيِّ الحَاضِر.

قَوْله: «وَقَوْل أم سليم رضي الله عنها »، فَإِنَّهَا لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ مهاجِرًا أَتَتْهُ بِابْنِهَا الصَّغِير أَنَس بْن مالكٍ رضي الله عنه، وَقَالَت: «يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِي أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ، فَادْعُ اللهَ لَهُ» ([2])، فَكَانَ أَنَس بْن مالكٍ خادِمَ رَسُول الله، خَدَمَهُ حَتَّى مَاتَ عليه الصلاة والسلام، وَالشَّاهِد من هَذَا أنها قَالَت: «ادْعُ اللهَ لَهُ» فطَلَبَت من الرَّسُول صلى الله عليه وسلم الدُّعَاءَ لَهُ وَلَمْ يُنْكِر عَلَيْهَا، دَعَا لَهُ أن يُحسِن اللهُ عَمَلَه، وأن يُطِيلَ عُمُرَه، فَحَسُنَ عَمَلُه، وعُمِّرَ حَتَّى جَاوَزَ المائةَ رضي الله عنه، فَالشَّاهِد من هَذَا: أنها طَلَبَت مِن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أن يَدْعُو الله لابنها، وَهَذَا دَلِيل عَلَى جَوَاز طَلَبِ الدُّعَاء من الحَيِّ الحَاضِرِ، وَهَذَا لا إِنْكَار فيه.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (5752)، ومسلم رقم (216).

([2])  أخرجه: مسلم رقم (2481).