واعلم: أن مِن الشُّبَه البَاطِلَة الَّتِي
يُورِدُها المعتقِدون فِي الأَمْوَات: أَنَّهُم لَيْسُوا كالمشركين مِنْ أَهْلِ
الجَاهِلِيَّة؛ لأَِنَّهُم إِنَّمَا يَعتقدون فِي الأَوْلِيَاء والصالحين، وأولئك
اعتَقَدوا فِي الأَوْثَان وَالشَّيَاطِين.
وهذه الشُّبْهَة
داحضةٌ تنادي عَلَى صَاحبهَا بالجهل، فإِنَّ اللهَ - سُبْحَانَهُ - لم يَعذِر من
اعتَقَدَ فِي عيسى عليه السلام - وَهُوَ نَبِيٌّ من الأَنْبِيَاء-، بل خاطَبَ
النصارى بِتِلْكَ الخطابات القرآنية،
****
قَوْله: «واعلم: أن مِن الشُّبَه البَاطِلَة الَّتِي يُورِدُها...»، هَذِهِ
الشُّبْهَة يُردِّدُونها فِي كل مناسَبةٍ، وَلَكِنَّهَا لا تَنفعهم، ذَلِكَ لأنه
لا فَرْقَ بَين مَن دَعَا صنمًا أو دَعَا رجلاً صالحًا، كله شركٌ، وَلَيْسَ
النَّظَر إِلَى المدعو فَقَط، النَّظَر إِلَى أن هَذَا عبَادَة لغير الله سَوَاء
أكان صنمًا أو مَلَكًا من الملائكةِ أو نبيًّا أو رجلاً صالحًا؛ لا فَرْقَ فِي
الشِّرْك بَين هَذَا وَهَذَا، ولا يَقُول هَذِهِ الكَلِمَةَ أو هَذِهِ الشُّبْهَةَ
إِنْسَانٌ يَتَصَوَّرُ ما يَقُول، إِنَّمَا هِيَ المكابَرة فَقَط، هَذَا مِن
حَيْثُ الحُكْمُ، أَمَّا مِن حَيْثُ الوَاقِعُ فإن قَوْلهم: إن المشركين
الأَوَّلين يَعبدون الأَصْنَامَ وَنَحْنُ نَعبد الصَّالِحِينَ، وفَرْقٌ بَين
الصَّالِحِينَ والأصنام، فَالوَاقِع أن الأَوَّلين لم يَقتَصِروا عَلَى عبَادَة
الأَصْنَام، بل كَانُوا يَعبُدون الصَّالِحِينَ، فالنصارى مثلاً يَعبُدون المسيحَ
وَهُوَ رَسُولٌ مِن رُسُلِ اللهِ، وَقَد ذَكَرَ اللهُ فِي حَقِّهِم ما ذَكَرَ مِن
أن هَذَا شركٌ، وأن المسيح سَيَتَبَرَّأُ مِنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَة، ﴿مَا قُلۡتُ
لَهُمۡ إِلَّا مَآ أَمَرۡتَنِي بِهِۦٓ أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي
وَرَبَّكُمۡۚ﴾ [المَائِدَة: 117]،
فالنصارى عَبَدُوا رسولاً من الرُّسُل، وَكَذَلِكَ هُنَاك مَن عَبَدَ الملائكةَ،
وَمِنْهُم مَن عَبَدَ الصَّالِحِينَ