×
فتح الولي الحميد في شرح كتاب الدر النضيد

وَأَدَّى الأَمَانَةَ، وأنه أَفْضَلُ الخَلق، وسيد وَلَدِ آدَم، وأَنَّ اللهَ رَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ، فَلاَ يُذكَر اللهُ إلاَّ ويُذكَر بَعْدَهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم كما فِي الأَذَان والإقامة والخُطَب، وَقَالَ الله جل وعلا لَهُ: ﴿وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ [الشرح: 4]، وَهَذَا يكفي عَن الغُلُوّ والإطراء فِي حَقّه صلى الله عليه وسلم، فنحن نَذكُره بما شَرَعَ الله، ونَمدَحُه بما مَدَحَه الله به، ونقتصر عَلَى هَذَا، وَكَذَلِكَ الأَوْلِيَاء والصالحين نُحِبهم ونُقدِّرهم ونَقتَدِي بهم، وَلَكِن لا نَغْلُو فِيهِم ونَدْعُوهم من دون الله عز وجل، ونجعلهم شركاء لله فِي العِبَادَة.

قَوْله: «فَلَيْسَ المراد إلاَّ التَّنْبِيه والتحذير»: فالمراد من هَذَا: هُوَ التَّذْكِير والتحذير، والهداية بيد الله عز وجل، وَلَكِن لو ذَكَّرْنَا وحَذَّرْنا لَخَفَّ هَذَا، وَزَالَ عَن النَّاس الجَهْلُ والغشاوة والتقليد الأَعْمَى، وَأَمَّا مَن عانَدَ بعد البَيَان فَهَذَا أَمْرُهُ إِلَى الله، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ [القَصَص: 56].

وَقَوْله تَعَالَى: ﴿وَذَكِّرۡ فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ [الذَّارِيَات: 55]، أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: ﴿وَذَكِّرۡ أي: فَذَكِّر النَّاسَ؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فَلاَ نَقُول: إن الذِّكْرَى لا تَنفع مثلما يقوله البَعْض: اتركوا النَّاس عَلَى ما هُم عَلَيْهِ، فَهَذَا شَيْء تَعَوَّدُوا عَلَيْهِ، والله عز وجل قَالَ: ﴿وَذَكِّرۡ فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ [الذَّارِيَات: 55]، ما الَّذِي حَوَّلَ الأُمَّةَ من الجَاهِلِيَّة إِلَى أُمَّةٍ مُسلِمَةٍ مجاهِدةٍ فِي سَبِيل الله؟ لَم يُحوِّلها إلاَّ تذكيرُ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم ودَعوَتُه لَهُم؛ حَتَّى أَسلَموا وحَسُن إسلامهم وجاهَدوا فِي سَبِيل الله عز وجل، ما الَّذِي حَوَّلَ الأمَّةَ مِن أمَّةٍ


الشرح