واعلم أن ما حَرَّرْنَا وقَرَّرْنَا مِن أن
كَثِيرًا مِمَّا يَفعله المعتقِدون فِي الأَمْوَات يَكُون شِركًا قَد يَخْفَى
عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ العِلْم، وَذَلِكَ لا لِكَوْنِهِ خَفِيًّا فِي
نَفْسِهِ، بل لإطباق الجُمْهُور عَلَى هَذَا الأَمْر، وَكَوْنِهِ قَد شَابَ
عَلَيْهِ الكَبِيرُ، وشَبَّ عَلَيْهِ الصَّغِير، وَهُوَ يَرى ذَلِكَ ويَسمَعه، ولا
يَرى ولا يَسمع من يُنكِره، بل ربما يَسمع من يُرغِّب فيه، ويَندُب النَّاسَ إِلَيْهِ.
****
جاهلةٍ أُمِّيَّةٍ إِلَى عُلَمَاء فطاحِلَ
سَادُوا العَالَمَ بِعِلمِهم، إلاَّ التَّعْلِيم النافع، فنحن لا نَيْأَس أَبَدًا،
قَالَ صلى الله عليه وسلم: «فَوَاللهِ
لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» ([1])،
وكم حَصَلَ بدعوة المصلِحين من الخَيْر والهداية، ولو أَنَّهُم سَكَتُوا مِثْل
غَيرهم لاَسْتَشْرَى الشِّرْكُ فِي الأَرْض، ولَهَلَكَت الأُمَّةُ، وَلَكِن بدعوة
هَؤُلاَءِ الصَّالِحِينَ أَنقَذَ اللهُ مَن أَرَادَ اللهُ هِدَايَتَهم.
قَوْله
تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا
بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ﴾
[آلَ عِمْرَانَ: 8]: الزائغ بعد الهِدَايَة لا يُمْكِنُ رَدُّهُ إِلَى الحَقِّ؛
لأنه يَفسَد قَلْبُهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ
لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ﴾
[الصَّفّ: 5]، فنحن علينا أن نُذَكِّرَ، والهداية بيد الله.
قَوْله: «قَد يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ العِلْم»، يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ العِلْم فَكَيْفَ بالعوامِّ، وَالرَّسُول صلى الله عليه وسلم قَالَ لمعاذ رضي الله عنه: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ» ([2])،
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2942)، ومسلم رقم (2406).