×
فتح الولي الحميد في شرح كتاب الدر النضيد

لأنه يَبعد كل البُعْدِ أَن يَنقل ذِهنه دفعةً وَاحِدَةً فِي وقتٍ واحدٍ عَن شَيْءٍ يَعتقده مِن أَعظَم الطَّاعَات إِلَى كَوْنه مِن أَقبَح المُقَبَّحَات، وأَكبَر المُحَرَّمَات، مَعَ كَوْنه قَد دَرَجَ عَلَيْهِ الأسلاف، ودَبَّ فيه الأخلاف، وتَعاوَدَته العُصُور، وتَنَاوَبَته الدهور، وَهَكَذَا كل شَيْء يُقلِّد النَّاسُ فيه أسلافَهم، ويُحَكِّمون العادات المستمرة.

****

  قَوْله: «لأنه يَبعد كل البُعْدِ أَن يَنقل ذهنه دفعةً وَاحِدَةً فِي وقت واحد عَن شَيْء يعتقده...»، يَعْنِي: أن انْتِقَال الذهن الَّذِي غرق فِي هَذِهِ الشُّبُهَات صعبٌ، وقليل من يَرجع عَن هَذَا الضَّلاَل إِلَى الحَقّ؛ إِنَّمَا يَرجع مِنْهُمْ أفراد والكثرة لا تَرجع، ومن العُلَمَاء من يَقُول: أنا لست مُلزَمًا بِشَأْن النَّاس، وَهَذَا لَيْسَ بصحيحٍ، ويَخلد إِلَى الأَرْض، ويَترك الدَّعْوَة والبيان ويَكتُم ما آتَاهُ الله من العِلْم.

وَمِنْهُم من يُوافِق عَلَى ما عَلَيْهِ النَّاس، ويقول: هُوَ صَحِيح، والذين ينكرونه خوارج، متشددة، غلاة!... إِلَى آخِرِ ما يَقُولُونَ، كما تَسمَعُون وتقرؤون الآنَ، ويقول: «تَعَاوَدَته العُصُور، وتناوَبَته الدهور» وَهَذَا مِمَّا يؤكد أن العَالم لا يتساهل فِي الأَمْر وأنه يَجِب الحسم، وإزالة الْمُنْكَر ولا يترك ويتهاون مَعَهُ؛ لأن ذَلِكَ يُمكِّنه، ويُغر النَّاس به، فَيَجِب عَلَى ولاة أُمُور المُسْلِمِينَ وعلماء المُسْلِمِينَ أن يتضافروا فِي إِزَالَة هَذَا الأَمْر.

قَوْله: «وَهَكَذَا كل شَيْء يُقلِّد النَّاس فيه أسلافهم» وَهَذَا كما ذَكَرَه الله سبحانه وتعالى فِي القُرْآن، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ [المَائِدَة: 104]، بما أن آبَاءَهُم عَلَيْهِ؛ فلن يتركوه ولن يستجيبوا لغيره.


الشرح