فانظر كيف خَصُّوا بَعْض عُلَمَاء المُسْلِمِينَ،
واقْتَدَوْا بهم فِي مَسَائِل الدِّين، ورَفَضُوا البَاقِينَ، بل جاوَزُوا هَذَا
إِلَى أن الإِجْمَاع ينعقد بِأَرْبَعَة من عُلَمَاء هَذِهِ الأمة، وأن الحُجَّة
قَائِمَة بهم، مَعَ أن فِي عَصْرِ كل واحد مِنْهُمْ من هُوَ أَكْثَر عِلمًا
مِنْهُ، فضلاً عَن العَصْر المتقدِّم عَلَى عَصْرِه، والعَصْر المتأخِّر عَن
عَصْرِه، وَهَذَا يَعرفه كل من يَعرف أَحْوَال النَّاس، ثُمَّ تجاوَزُوا فِي
ذَلِكَ إِلَى أنه لا اجْتِهَاد لِغَيْرِهِم، بل هُوَ مقصور عَلَيْهِمْ، فَكَأَنَّ
هَذِهِ الشَّرِيعَة كَانَت لَهُم ولا حَظَّ لِغَيْرِهِم فِيهَا، وَلَمْ يَتفَضَّل
الله عَلَى عِباده بما تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ.
****
يَخلد إِلَى الأَرْض، وأن يَأْخُذ بِالقَوْلِ
بدون تمحيص، وبدون مَعْرِفَة دَلِيله.
وأهل
السُّنَّة لا يَدَّعون العِصْمَة لأئمتهم، بل هَذَا عِنْدَ الشِّيعَة، فالشيعة هُم
الَّذِينَ يَدَّعون العِصْمَة لأئمتهم، أَمَّا أهل السُّنَّة فَلاَ يَدَّعون
العِصْمَة لأئمتهم، وَلَكِنَّهُم لا يَحُطُّون من قَدْرِهم، ولا يتهكمون بهم، بل
يُجِلُّونهم ويَحترمونهم، وَلَكِن الحَقَّ أغلى عَلَيْهِمْ من كل شَيْء، والإمام
الشوكاني يَقُول بِهَذَا؛ يَقُول: خذوا بِالدَّلِيلِ، خذوا بـقال الله وَقَالَ
رَسُوله.
قَوْله: «فانظر كيف خَصُّوا بَعْض عُلَمَاء المُسْلِمِينَ، واقْتَدَوْا بهم فِي مَسَائِل الدِّين...»، الشَّيْخ رحمه الله بالَغَ فِي ذَمِّ التَّقْلِيد، والأئمة الأَرْبَعَة عُلَمَاء حَقّ، لَيْسَ هُنَاك شكٌّ، فهم عُلَمَاء أهل السنة، فَلاَ يَحُط من قَدْرِهم ولا من عِلمِهم، وَإِنَّمَا يَحط من قَدْرِ التَّعَصُّب وتَنَقُّص