×
فتح الولي الحميد في شرح كتاب الدر النضيد

وبَعْدَ أَن يُوافِقَك أَوْضِحْ لَهُ أن المُعْتَقِدِين فِي القبور قَد فَعَلُوا هَذِهِ الأفعال أو بَعْضَهَا عَلَى الصِّفة الَّتِي قَرَّرْنَاها وكَرَّرْنَاها فِي هَذِهِ الرِّسَالَة، فإنه إن بقي فيه بَقِيَّة من إنصاف، وبارقة من عِلمٍ، وحصة من عَقْلٍ، فَهُوَ لا محالة يُوافِقك، وتنجلي عَنْهُ الغمرة، وتنقشع عَن قلبه سحائب الغَفْلَة، ويَعترف بأنه كَانَ فِي حجاب عَن مَعْنى التَّوْحِيد الَّذِي جَاءَت به السنة والكتاب. فإن زَاغَ عَن الحَقّ وكابَرَ وجادَلَ، فإن جاءك فِي مكابرته ومجادَلَتِه بِشَيْءٍ مِن الشُّبَه فَادْفَعْهُ بالدَّفْعِ الَّذِي قَد ذَكَرْنَاهُ فِيمَا سَبَقَ، فإنَّا لم نَدَعْ شُبْهَةً يُمكِن أن يَدَّعِيَها مُدَّعٍ إلاَّ وَقَد أَوْضَحْنَا أَمْرَهَا، وإن لم يَأْتِ بِشَيْءٍ فِي جداله، بل اقْتَصَرَ عَلَى مُجَرَّد الخِصَام وَالدَّفْع المُجَرَّد لِمَا أَوْرَدْتَهُ عَلَيْهِ من الكَلاَم، فَاعْدِلْ مَعَهُ عَن حُجَّة اللسان بالبرهان والقرآن إلى مَحَجَّةِ السَّيْف والسَّنَانِ، فآخِرُ الدَّوَاءِ الكَيُّ.

****

 قُلْنَا: القُرْآن يُكذِّب هَذَا، فالله أَخْبَرَ بأنهم يُقِرُّون بتوحيد الرُّبُوبِيَّة، وأنهم لا يَعتقدون فِيهَا أنها تَخلق وتَرزق وتُدبِّر، وَإِنَّمَا يَعتقدون فِيهَا أنها تُقرِّبهم إِلَى الله سبحانه وتعالى، وأنها تَشفع لَهُم عِنْدَ الله، وَهَذَا ما عَلَيْهِ القُبُورِيُّونَ الآنَ، لا فَرْقَ.

قَوْله: «فَإِنه سَيُوَافِقُكَ ولا مَحَالَةَ إن كَانَ يَعتَقِد أن كَلاَمَ الله حَقٌّ» إِذا جئتَ لَهُ بِالآيَاتِ فإن كَانَ فيه إِيمَانٌ ويُصدِّق أن القُرْآن حَقٌّ، فإنه سيُوافِقُك اضطرارًا.

 قَوْله: «أَوْضِحْ لَهُ أن المُعْتَقِدِين فِي القبور قَد فَعَلُوا هَذِهِ الأفعالَ أو بَعْضَهَا» أَنَّهُم ما يَعبدون القبور من أجل أنها تَخلق وتَرزق


الشرح