قَوْله تَعَالَى:
﴿وَمَآ
أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ
إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ﴾
[الأَنْبِيَاء: 25] فـ «لاَ إِلَهَ إلاَّ
اللهُ» قَد أَرْسَلَ اللهُ بها جَمِيعَ الرُّسُلِ، وَمَعْنى «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ» أي: لا معبود
بِحَقّ إلاَّ الله سبحانه وتعالى.
قَوْله: «وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُحقِّق التَّوْحِيد»، كَانَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم يُحقِّق التَّوْحِيد، ويَحمِي جانِبَه، ويَمنع الوسائل المفضية إِلَى الشِّرْك، حَتَّى فِي الأُمُور الصَّغِيرَة، لَمَّا قَالَ لَهُ رَجُل: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ، قَالَ لَهُ: «أَجَعَلْتَنِي لِلهِ نِدًّا؟»؛ أي: شريكًا، «قُلْ: مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ»، ولما جَاءَه الصَّحَابَة يستغيثون به، وَقَالُوا: قُومُوا نَسْتَغِيثُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لاَ يُسْتَغَاثُ بِي، إِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللَّهِ عز وجل » ([1])، خَشي عَلَيْهِمْ من الشِّرْك والغلو، فمَنَعَ هَذِهِ اللَّفْظَة، وَهِيَ الاستِغَاثَة بِالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم حماية للتوحيد، مَعَ أنه قَادِر عَلَى أن يغيثهم من المُنَافِق، وأن يَردع المُنَافِق، وَلَكِن هَذِهِ الكَلِمَة لم يُقِرَّها؛ لأَِنَّهَا تَكُون وسيلة إِلَى الاستِغَاثَة الشركية، فحَمَى التَّوْحِيدَ، وسَدَّ الطُّرُق المفضية إِلَى الشِّرْك، ولما قَالُوا لَهُ: يَا خَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا، وَيَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا قَالَ: «قُولُوا بِقَوْلِكُمْ، أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» ([2])، فَهُوَ سيدٌ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ سيدُ الرُّسُل، وأَفْضَلُ الرُّسُل، قَالَ: صلى الله عليه وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلاَ فَخْرَ» ([3])، فَهُوَ سيدٌ وَلَكِن خَشِيَ عَلَيْهِمْ من الغُلُوِّ، لَمَّا
([1]) أخرجه: أحمد رقم (22706).