فإن كَوْنه المَالِك ليَوْم الدّين يفيد أنه لا
مُلْكَ لغيره، فَلاَ يَنفُذ إلاَّ تَصَرُّفُه لا تَصرُّف أَحَدٍ من خَلقِه، من غير
فَرْقٍ بَين نَبيٍّ مُرسَلٍ، ومَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وعَبْدٍ صَالِحٍ. وَهَذَا مَعْنى
كَوْنه ﴿مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ﴾
[الفاتحة: 4]، فإنه يفيد أن الأَمْر أَمْرُه، والحُكْمَ حُكْمُه، لَيْسَ لغيره
مَعَهُ أمرٌ ولا حُكمٌ، كَمَا أَنَّه لَيْسَ لغير ملوك الأَرْض أمرٌ ولا حُكمٌ،
ولله المَثَلُ الأَعْلَى. وَقَد فَسَّرَ اللهُ هَذَا المَعْنى الإضافيَّ المذكورَ فِي
فاتحة الكتاب فِي مَوْضِعٍ آخَرَ من كِتَابه العَزِيز فَقَالَ: ﴿وَمَآ
أَدۡرَىٰكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ ١٧ثُمَّ مَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ ١٨يَوۡمَ
لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡٔٗاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ ١٩﴾ [الاِنْفِطَار:
17- 19]. ومَن كَانَ يَفهَم كَلاَمَ العَرَب ونُكَتَه وأَسرَارَه كَفَتْهُ هَذِهِ
الآيَةُ عَن غَيرهَا من الأَدِلَّة، واندَفَعَت لديه كل شُبْهَةٍ.
****
وَهُنَاكَ
رؤساء وَهُنَاكَ أمراء، لَكِن فِي الآخِرَة لا، لَيْسَ هُنَاك ملوك ولا أمراء.
والدِّين
فِي قَوْله: ﴿مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ﴾ [الفاتحة: 4] المراد به
الحِسَاب؛ لأَِنَّ اللهَ يُحاسِب فيه الخَلاَئِق ويجازيهم.
قَوْله: «فإن كَوْنه المَالِك ليَوْم الدِّين يفيد أنه لا مُلْكَ لغيره» فِي يَوْم القِيَامَة، وحتى فِي الدُّنْيَا فإنه وإن مَلَكَ بَعْضُ الملوك فمُلْكُه مستعارٌ لا يدوم، وَلَيْسَ هُوَ الَّذِي استَحَقَّه بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا اللهُ هُوَ الَّذِي مَنَحَه إِيَّاهُ، ﴿قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ [آلَ عِمْرَانَ: 26]، فالمُلك الَّذِي بِيَدِ الملوك فِي الدُّنْيَا هُوَ مِن الله عز وجل، وَإِذَا شَاءَ الله سَلَبَهُ مِنْهُمْ.