×
فتح الولي الحميد في شرح كتاب الدر النضيد

ومن ذَاكَ: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ [الفاتحة: 5]، فإن تَقْدِيم الضمير قَد صَرَّحَ أَئِمَّةُ المعاني والبيان وَأَئِمَّة التَّفْسِير أنه يفيد الاِخْتِصَاص، فَالعِبَادَة لله سُبْحَانَهُ، ولا يُشَارِكهُ فِيهَا غَيره ولا يَستَحِقُّها، وَقَد عَرَفْتَ أن الاستِغَاثَةَ وَالدُّعَاءَ وَالتَّعْظِيمَ والذَّبْحَ والتَّقَرُّبَ من أنواع العِبَادَة، ومن ذَلِكَ قَوْله: ﴿وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ [الفاتحة: 5] فإن تَقْدِيم الضمير هَا هُنَا يفيد الاِخْتِصَاص كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ يَقْتَضِي أنه لا يُشَارِكهُ غَيرُه فِي الاِسْتِعَانَة فِي الأُمُور الَّتِي لا يَقدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُه.

****

قَوْله: «مِن غَيْرِ فَرْقٍ بَين نَبِيٍّ مُرسَلٍ، وَمَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَعَبْدٍ صَالِحٍ» كل النَّاس يَوْم القِيَامَة يَخضعون لِمُلك الله عز وجل، كلٌّ لَهُ عَمَلُهُ.

قَوْله: ﴿وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ [الاِنْفِطَار: 19] الأَمْر يومئذٍ لله، لَيْسَ لأحدٍ أمرٌ.

قَوْله: «ومَن كَانَ يَفهَم كَلاَمَ العَرَب ونُكَتَه وأَسرَارَه كَفَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ عَن غَيرهَا من الأَدِلَّة، وَانْدَفَعَتْ لَدَيْهِ كُلُّ شُبْهَةٍ» وَهِيَ قَوْله: ﴿مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ [الفاتحة: 4]، فإنه يُخلِص العِبَادَةَ لله حَتَّى يَنْجُوَ مِن أهوال هَذَا اليَوْم.

 قَوْله: «ومِن ذَاك: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ [الفاتحة: 5] »، لم يَقُل: نَعبُدُكَ، بل قَالَ: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ، قَدَّمَ المَعْمُولَ عَلَى العَامِل لإفادة الاِخْتِصَاص؛ أي: لا نَعْبُدُ سِوَاكَ.

قَوْله: «وَقَد عَرَفْتَ أن الاستِغَاثَةَ، وَالدُّعَاءَ، وَالتَّعْظِيمَ، والذَّبْحَ، والتقرُّبَ من أنواع العِبَادَة» فكله دَاخِلٌ فِي قَوْله: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ فكل أنواع العِبَادَة دَاخِلَةٌ وَخَاصَّةٌ بالله.


الشرح