لا يَحتاج مِنْك إِلَى هَذِهِ الإِشَارَة الَّتِي
زَعَمْتَ أنها الحاملة لك عَلَى قَصْدِ القبر، والمشي إِلَيْهِ. وَقَد كَانَ
يُغنيك أن تَذكُر ذَلِكَ المَيِّتَ بِاسْمِهِ العَلَمِ، أو بما يَتَمَيَّزُ به عَن
غَيره، فما أَرَاك مَشَيْتَ لهذه الإِشَارَة، فإن الَّذِي تَدْعُوه فِي كل مَكَان
مَعَ كل إِنْسَان، بل مَشَيْتَ لتُسمِعَ المَيِّتَ تَوَسُّلَكَ به، وتُعطِف
قَلْبَه عَلَيْكَ، وتَتَّخِذ عِنْدَهُ يَدًا بِقَصدِه وزيارته، وَالدُّعَاء
عِنْدَهُ، والتَّوسُّل به.
وأنتَ إن رَجَعْتَ
إِلَى نفسكَ وسَأَلْتَهَا عَن هَذَا المَعْنى فَرُبَّمَا تُقِرُّ لَكَ بِه
فَتَصْدُقكَ الخَبَرَ، فإن وَجَدْتَ عِنْدَهَا هَذَا المَعْنى الدَّقِيق الَّذِي
هُوَ بالقبول مِنْك حقيقٌ؛ فَاعْلَمْ أنه قَد عَلِقَ بِقَلْبِكَ ما عَلِقَ بقلوب
عُباد القبور. ولكنَّكَ قَهَرْتَ هَذِهِ النَّفْسَ الخَبِيثَةَ عَن أن تُتَرْجِمَ
بلسانِكَ عَنْهَا، وتَنشُرَ ما انْطَوَتْ عَلَيْهِ مِن مَحَبَّةِ ذَلِكَ القبرِ
وَالاِعْتِقَاد فيه، وَالتَّعْظِيم لَهُ والاستِغَاثَة به،
****
وَقَوْله: «لا يَحتاج مِنْك إِلَى هَذِهِ الإِشَارَة الَّتِي زَعَمْتَ أنها الحاملة
لكَ عَلَى قَصْدِ القبر» يَقُول رحمه الله: تَوَسَّلْ بالميت ولو أنكَ فِي
بَيْتِكَ، لَيْسَ بلازمٍ أن تمشي إِلَيْهِ، تَوَسَّلْ به فِي أي مَكَان، والله
يَعلم ما فِي قلبك دون أن تشير إِلَى القبر، يَقُول: أَذْهَب لأشير إِلَيْهِ،
يَقُول: لَيْسَ هُنَاك حَاجَة لِهَذَا، فتَوَسَّل بالميت وأنتَ فِي مكانِكَ!
وَهَذَا غلطٌ، نَقُول: التَّوسُّل بِأَعْمَال الغَيْر لا يَجُوز، وَإِنَّمَا
يَتوَسَّل الإِنْسَان بِأَعْمَالِهِ الصَّالِحَة هُوَ: ﴿رَبَّنَآ ءَامَنَّا بِمَآ أَنزَلۡتَ وَٱتَّبَعۡنَا ٱلرَّسُولَ
فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ﴾
[آلَ عِمْرَانَ: 53]، ﴿رَّبَّنَآ
إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِيٗا يُنَادِي لِلۡإِيمَٰنِ أَنۡ ءَامِنُواْ