×
فتح الولي الحميد في شرح كتاب الدر النضيد

فقل لي بالله: ما الحَامِل لك عَلَى التَّشَبُّه بعباد القبور، والتغرير عَلَى من كَانَ فِي عداد سليمي الصُّدُور، فإنه يراكَ الجاهل والخامل، ومن هُوَ عَن عِلْمِكَ وتمييزِكَ عاطلٌ، فيَفعل كفِعلِكَ يَقتَدِي بكَ، وَلَيْسَ لَهُ بصيرة كبصيرَتِكَ، ولا قوةٌ فِي الدِّين مِثْل قُوَّتِكَ، فَيَحْكِي فِعْلَكَ صورةً، ويُخَالِفُهُ حَقِيقَةً، ويَعتقد أنكَ لم تَقصِد هَذَا القبر إلاَّ لأمرٍ، ويَغتنم إِبْلِيسُ اللعينُ غُربةَ هَذَا المسكين الَّذِي اقْتَدَى بكَ، واستَنَّ بسُنَّتِكَ، فيَستَدْرِجُه حَتَّى يَبلُغَ به إِلَى حَيْثُ يُرِيدُ، فرَحِمَ اللهُ امْرَءًا هَرَبَ بِنَفْسِهِ عَن غوائل التَّقْلِيد، وأَخْلَصَ عِبَادَتَهُ للحميد المَجِيد.

وَقَد ظَهَرَ بِمَجْمُوع هَذَا التَّقْسِيم أن مَن يَقصِد القبرَ لِيَدْعُوَ عِنْدَهُ هُوَ أَحَدُ ثَلاَثَةٍ:

إِن مَشَى لِقَصْدِ الزِّيَارَة فَقَط، وعَرَضَ لَهُ الدُّعَاءُ، وَلَمْ يَحصُل بِدُعَائِهِ تغريرٌ عَلَى الغَيْر فَذَلِكَ جَائِزٌ.

وإن مَشَى لِقَصْدِ الدُّعَاءِ فَقَط، أو لَهُ مَعَ الزِّيَارَة، وَكَانَ لَهُ مِن الاِعْتِقَاد ما قَدَّمْنَاهُ فَهُوَ عَلَى خَطَرِ الوُقُوع فِي الشِّرْك، فَضْلاً عَن كَوْنه عَاصِيًا.

وَإِذَا لَمْ يَكُن لَهُ اعْتِقَادٌ فِي المَيِّت عَلَى الصِّفَة الَّتِي ذَكَرْنَا فَهُوَ عَاصٍ آثِمٌ، وَهَذَا أَقَلُّ أَحْوَالِهِ، وَأَحْقَرُ ما يَرْبَحُهُ فِي رَأْسِ مَالِهِ.

وفي هَذَا المِقْدَارِ كِفَايَةٌ لِمَنْ لَهُ هِدَايَةٌ، وَاللهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.

****

 قَوْله: «فَقُلْ لي بالله» هَذَا هُوَ الجَوَاب، يَقُول: لا تُزَكِّي نَفْسَكَ وإن كنت عَالِمًا وإن كنت موحِّدًا، بل ابْتَعِدْ عَن وسائل الشِّرْك.

قَوْله: «فإنه يراكَ الجاهل والخامل، ومن هُوَ عَن عِلْمِكَ وتمييزِكَ عاطلٌ» أي فإنك وإن كنت نقيًّا وموحِّدًا ولا تَقصِد المَقَاصِد السَّيِّئَة؛


الشرح