×
الملخص الفقهي الجزء الثاني

وجاءت السنة النبوية بأن ولي القصاص يخير بين استيفائه، وبين العفو إلى أخذ الدية، أو العفو مجانًا، وهو أفضل؛ فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُفْدَى، وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ» رواه الجماعة ([1]) إلا الترمذي، وقال الله تعالى: ﴿فَمَنۡ عُفِيَ لَهُۥ مِنۡ أَخِيهِ شَيۡءٞ فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيۡهِ بِإِحۡسَٰنٖۗ [البَقَرَة: 178].

فدلت الآية الكريمة والحديث على أن الولي يخير بين القصاص والدية، فإن شاء اقتص، وإن شاء أخذ الدية، وعفوه مجانًا أفضل؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ [البَقَرَة: 237]، ولحديث أبي هريرة: «وَلاَ عَفَا رَجُلٌ عَنْ مظْلَمَةٍ إِلاَّ زَادَهُ اللهُ بِهَا عِزًّا» رواه أحمد ومسلم والترمذي ([2]).

فالعفو عن القصاص أفضل ما لم يؤد ذلك إلى مفسدةٍ؛ فقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن العفو لا يصلح في قتل الغِيلَة؛ لتعذر الاحتراز منه؛ كالقتل في المحاربة ([3])، وذكر القاضي وجهًا أن قاتل الأئمة يقتل حدًا لأن فساده عام، وذكر العلامة ابن القيم على قصة العرنيين: «أن قتل الغِيلَة يوجب قتل القاتل حدًا؛ فلا يسقطه العفو، ولا تعتبر فيه المكافأة، وهو مذهب أهل المدينة، وأحد الوجهين في مذهب أحمد، واختيار الشيخ، وأفتى به رحـمه الله...» انتهى.


الشرح

([1])  رواه البخاري: في كتاب: (الديات)، باب: « من قتل له قتيل فهو بخير النظرين » (6486)، ومسلم: في كتاب: (الحج)، باب: « تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها » (1355).

([2])  رواه أحمد (1674)، والترمذي (2325)، وابن خزيمة (2438)، والبزار (1032)، ولفظ مسلم (2588): « ما نقصت صدقة... وما زاد الله عبدا بعفوٍ إلا عزا ».

([3])  « الفتاوى الكبرى » (4/ 596).