×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الأول

قوله: «منه سبحانه لا مِن غيرِه» لا من الشَّجرة ولا من اللَّوحِ المحفوظِ، ولا من جِبْرِيْلَ، ولا من مُحَمَّدٍ، فهو كلامٌ بَدَأَ من اللهِ حقيقةً، وإِنَّما جِبْرِيْلُ ومُحَمَّدٌ ناقلان عن اللهِ ومبلِّغان عن اللهِ جل وعلا.

قوله: «فمَن قال غيرَ هذا فقد كفر بالله العظيمِ» مَن قال: إِنَّ كلامَ الله مخلوقٌ، وأَنَّ اللهَ لا يتكلَّم، وعطَّل اللهَ من الكلامِ فهو كافرٌ، لأَنَّه مُكذِّبٌ للهِ ولرسولِه ولإِجْماعِ المسلمين، اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ يكونَ جاهلاً أَوْ مُتَأَوِّلاً أَوْ مُقَلِّدًا لمَن يحسن بهم الظَّنَّ فهذا يُبيَّنُ له، فإِنْ أَصرَّ حُكِمَ بكُفْرِه، لأَنَّ اللهَ جل وعلا عاب على المشركين أَنَّهم يعبدون التَّماثيلَ التي لا تتكلَّم، قال إِبْرَاهِيْمُ عليه السلام: ﴿إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِي عَنكَ شَيۡ‍ٔٗا [مريم: 42]، وقال للكُفَّارِ الذين يعبدون الأَصْنامَ: ﴿قَالَ بَلۡ فَعَلَهُۥ كَبِيرُهُمۡ هَٰذَا فَسۡ‍َٔلُوهُمۡ إِن كَانُواْ يَنطِقُونَ [الأنبياء: 63] واللهُ جل وعلا يقول في بَنِي إِسْرَائِيْلَ: ﴿وَٱتَّخَذَ قَوۡمُ مُوسَىٰ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِنۡ حُلِيِّهِمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٌۚ أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمۡ وَلَا يَهۡدِيهِمۡ سَبِيلًاۘ ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَٰلِمِينَ [الأعراف: 148]، فدلَّ على أَنَّ الرَّبَّ يتكلَّم سبحانه وتعالى، وأَنَّ الذي لا يتكلَّم ليس ربًّا، كيف يأْمر؟ وكيف ينهى؟ وكيف يُدبِّر؟ وهو لا يتكلَّم، تعالى الله عن ذلك، وفي سورة طه: ﴿أَفَلَا يَرَوۡنَ أَلَّا يَرۡجِعُ إِلَيۡهِمۡ قَوۡلٗا وَلَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا [طه: 89]، ﴿أَفَلَا يَرَوۡنَ أَلَّا يَرۡجِعُ إِلَيۡهِمۡ قَوۡلٗا أَيْ: لا يجيبهم إِذا خاطبوه.

يجيب الإِيْمانُ بالقضاءِ والقَدَرِ، وأَنَّ كلَّ شيءٍ يحدث في هذا الكونِ فإِنَّه ليس اعْتِباطًا، وإِنَّما هو مُقدَّرٌ ومكتوبٌ في اللَّوحِ المحفوظِ،


الشرح