فعليك أيها المُسْلم - وطَالب العِلم بالذَّات - أن تتثبَّت ولا
تَسْتَعْجِل مع كُل ما تَسْمع، عليك بالتثبُّت، ومَعرفة من الذي قال هذا؟ ومن أين
جاء هذا الفِكر؟ ثم ما هي مُستنداته، وأَدلته من الكِتاب والسنّة؟ ثم أين تعلَّم
صَاحبه، وعمّن أخذَ العلمَ؟ فهذه أمورٌ تحتَاج إلى تثبُّت، خصوصًا في هذا
الزَّمان.
فما كُل قَائل حتى ولو كان فصيحًا وبليغًا ويُشَقْشِق الكَلام ويأخُذ
بالأسماع، لا تغترَّ به حتى تَرى مَدى ما عِنده من العِلم والفِقه، فربّما يكُون
كَلامه قليلاً لكنه فقيهٌ، وربّما يكون كَلامه كثيرًا لكنه جاهلٌ ليس عِنده شيءٌ
من الفِقه، بل عِنده سِحْرُ الكلامِ حَتى يَغُرّ النَّاس، ويَتظاهر بأنه عالمٌ،
وبأنه فاهمٌ، وبأنه مفكِّر، ونحو ذلك، حتى يَغُر الناس، ويَخرج بهم عن الحَقّ.
فليس العِبرة بكَثرة الكَلام وشَقْشَقَتِه، بل العِبرة بما فيه من العِلم،
وما فيه من التَّأْصِيل، ورُبَّ كلامٍ قليلٍ مُؤصَّل يكون أنفعَ بكثيرٍ من كَلام
كثيرٍ مُشَقْشَق لا تُمْسك منه فَائدة إلا القَليل، وهذا هو الوَاقع في زَماننا
يكثُر الكَلام ويَقِلّ العِلم، يكثُر القُرَّاء ويَقِل الفُقَهاء، والفِقه ليس هو
بكَثرة الكَلام أو كَثرة القِراءة، أو جَوْدة الكَلام، أو حُسْن التَّعْبير، يقُول
الشاعِر:
فِي زُخْرُفِ القَوْلِ تَزْيِينٌ لِبَاطِلِهِ**** وَالحَقُّ
قَدْ يَعْتَرِيهِ سُوءُ تَعْبِيرٍ
الصفحة 1 / 260
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد