×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الأول

قال المؤلِّف رحمه الله: وقالَ عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه: «لاَ عُذْرَ لأَِحَدٍ فِي ضَلاَلَةٍ رَكِبَهَا حَسِبَهَا هُدًى، وَلاَ فِي هُدًى تَرَكَهُ حَسِبَهُ ضَلاَلَةً، فَقَدْ بُيِّنَتِ الأُْمُورُ، وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ، وَانْقَطَعَ الْعُذْرُ» ([1]).

**********

 قولُ عمرَ رضي الله عنه: «لاَ عُذْرَ لأَِحَدٍ...» لأن اللهَ بيَّن الحَقّ، وفصَّله في القُرآن والسنّة، فلا عذرَ لأحدٍ حينئذٍ في ضلالةٍ، لأن التقصيرَ جاءَ من قِبَلِه، حيثُ لم يَبْحث عن الحَق، ولم يَسأل أهلَ العِلم، فالضلالُ جاءَ من قِبَلِه، فهو الذِي فرَّط.

قوله: «حَسِبَهَا هُدًى» فيه بيانُ أن الظنَّ لا يُغني مِن الحَق شيئًا، والله جل وعلا يقُول: ﴿وَإِنَّهُمۡ لَيَصُدُّونَهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ [الزخرف: 37]، فحُسْبَانهم لا يشفعُ لهم، لأنهم ليس لهم عُذْر، حيثُ لم يُراجعوا الكِتاب والسنَّة حتى يَعرفوا الحَق من البَاطِل، وإنما رَكِبوا أهواءَهم، ﴿وَيَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ ومع هذا حَكَمَ اللهُ بكُفْرِهم وضَلاَلِهم، فبمُجَرَّد أن الإنسانَ يَحْسَب أنه على حقٍّ لا يَصير هذا عذرًا له، إلا إذا لم يَبْلُغْه شيءٌ من الوَحْي الإلهيِّ المُنزَّل على الرُّسُل، لأن الوَاجِب عليه أن يرجعَ إلى الكِتاب والسنَّة، ولا يَبقَى على ظَنِّه وحُسْبانه، وعلى ما يَقوله له غَيره أنه حَقّ، فهذا ليسَ بعُذْر.

وفي الآيةِ الأخرَى: ﴿إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُواْ ٱلشَّيَٰطِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ [الأعراف: 30]: انظرْ كيفَ اتَّخذوا شياطينَ الإنسِ والجِنّ أولياءَ من دونِ اللهِ، ويتَّبعونهم ويحسبونَ أنهم مُهتدون؟! فهل الشَّياطينُ تُرِيد لهم الخَيْر؟!


الشرح

([1])  أخرجه: أبو يوسف في كتاب «الخراج» رقم (32).