×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الأول

قال المُؤَلِّفُ رحمه الله: واللهُ سبحانه وتعالى سميعٌ بصيرٌ عليمٌ، يَدَاهُ مبسوطتان، قد علِم أَنَّ الخلقَ يَعْصُونَهُ قبلَ أَنْ يخلقَهم، عِلْمُهُ نافذٌ فيهم، فلم يمنعه علمُه فيهم أَنْ هَدَاهُمْ للإِسْلام، ومَنَّ بِهِ عليهم كَرَمًا وجودًا وتَفَضُّلاً فلَهُ الحمدُ.

**********

  قوله: «واللهُ سبحانه وتعالى سميعٌ بصيرٌ عليمٌ» هذا هو النَّوعُ الثَّالثُ من أَنْواع التَّوحيد: إِثْباتُ الأَسْماءِ والصِّفاتِ للهِ عز وجل كما جاءَتْ في الكتاب والسُّنَّةِ، مع اعْتِقَادِ معناها وما دلَّت عليه، وعدمِ التَّعرُّضِ لكيفيَّتِها؛ لأَنَّ كَيْفِيَّتَها لا يعلمها إِلاَّ اللهُ، أَمَّا معناها فإِنَّه معلومٌ. فيجب عليكَ أَنْ تُثْبِتَها وأَنْ تعتقدَ ما دلَّت عليه، كما قال الإمام مالك: «الاِسْتِواءُ معلومٌ» معلوم معناه، «والكَيْفَ مجهولٌ».

قوله: «قد علم أَنَّ الخلقَ يعصونه قبلَ أَنْ يخلقَهم» اللهُ بكلِّ شيءٍ عليمٌ، علم ما يكون من الإِيْمان والكفرِ، والطَّاعةِ والمعصيةِ، لا يخفى عليه شيءٌ، قبلَ أَنْ يخلقَ السَّموات والأَرْضَ.

قوله: «فلم يَمْنَعْهُ عِلْمُهُ فيهم أَنْ هَدَاهُمْ للإِسْلام» مع أَنَّه يعلم ما يعملونه من الكفر والإِيْمانِ فإِنَّ اللهَ دعاهم إِلى الإِسْلام، ودعاهم إِلى الإِيْمان، وأَرْسَلَ الرُّسُلَ، وأَنْزَل الكُتُبَ لهدايتِهم، وهو يعلم ما يفعلون، لكنَّه من رَحْمَتِه لم يتركْهم ويَكِلْهم إِلى علمِه بهم؛ بل إِنَّه أَقامَ الحُجَّةَ عليهم وأَعْطاهم الاختيارَ والمشيئَةَ والقدرةَ فهُمْ يقدرون على العمل فإِذا تركوه فالذُّنْبُ ذَنْبُهُمْ والتَّقْصيرُ تَقْصيرُهم، واللهُ جل وعلا يهدي جميعَ الخلق المؤمنين والكُفَّارَ، بمعنى: أَنَّه يُبيِّنُ لهم، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ، هديناهم: يعني بيَّنا لهم وأَرْشَدْنَاهُمْ، لكنَّهم لم يقبلوا؛


الشرح