إن شئتَ أن تمدحَ العَسَل تقول: هذا «مُجاج
النَّحْل»، وإن ذممتَه قلتَ: هذا «قَيْء»،
بدل «مُجاج»، وبدل «النَّحْل» تقول: «الزَّنَابِير»، فالبلِيغ يَقْلب الحقَّ باطلاً، والباطلَ حقًّا ببلاغتِه،
فاحذرْ من هذا، ولهذا حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من فَصيح اللسان الذي يتخلّل
بلسانِه كما تتخلّل البَقرة بلِسانها ([1])، حذَّر من هذا،
وقال: «إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا»
([2])يعني يَسْحَر
الأَسْماع.
فقوله: «فانظرْ - رحمَك
الله - كل من سَمِعت كَلامه من أهلِ زَمانك خاصةً فلا تَعْجَلَنّ، ولا تَدْخُلَنّ
في شيءٍ منه»: هذا في وقتِ المؤلِّف، والمؤلِّف يكاد يكُون معاصرًا للإمام
أحمدَ، لأنه من تلاميذِ تلاميذِه، يقُول: لا تعجلْ في قَبُولِ كَلام أهل زَمانك
حتى تتثبَّت منه، أين هو من عَصرنا الآن! عَصر الأهواءِ وعَصر الجَهْل، وعَصر
اختِلاط العَالم بَعضهم ببعضٍ، حتى أصبحَ يَمُوج بالفِتن والشُّرور والأَفْكار،
والعدوّ الآن يُريد قَلْب الدِّين رأسًا على عَقِب، يريدنا أن نكون تبعًا له،
ويَفْرض علينا أَفْكاره، ويَفْرض علينا سِياسته، فعلينا أن نتثبَّت في هذا الأمر، ونتوقَّف
عن كَثيرٍ من الأمُور، وأن نُقْبِل على تفهُّم كَلام الله وكَلام رَسوله، ونتفقَّه
في دِين الله عز وجل.
فالفِقه فيه عِصمة من الفِتن، والفِقه هو الفَهْم، قد يكُون الإنسَان كَثير الحِفظ لكن لَيس عندَه فَهْم، فيكُون هو والعَامِيّ سَواء،
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (2853)، وأحمد رقم (6758)، والبزار رقم (2452).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد