بل ربَّما يكُون العَامِيّ
أحسنَ منه لأنه يتوقَّف، ويَعْرف جَهله، وهذا لا يَعْرف أنه جَاهلٌ، ليست
المَسْألة كَثْرة حِفظٍ أو كَثْرة كلامٍ، المَسْألة مَسْألة فِقهٍ.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «رُبَّ
مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» فقد يَحفظ الإنسانُ ويَنقل ويَروي، لكن يكُون
هناك من هو أفقهُ منه، «رُبَّ حَامِلِ
فِقْهٍ وَ هُوَ غَيْرُ فَقِيهٍ» ([1]) هو حاملٌ وناقلٌ
لكنّه ليس بفقيهٍ. فالفِقْه هِبَةٌ من الله يُعطِيها الله من يَشاء من عِباده، لكن
إذا استغلَّها ونمَّاها انتفعَ بها، وإن أهملَها ضاعتْ.
قوله: «فلا تَعْجَلَنّ، ولا تَدْخُلَنّ
في شيءٍ منه حتى تسألَ وتنظرَ: هل تكلّم فيه أَحد من أصحابِ النّبي صلى الله عليه
وسلم و رضي الله عنهم » هذه وصيةٌ عَظيمة، إذا أعجبَك كَلام من أحدٍ في الدين،
أما الكَلام الذي في أمورِ الدُّنيا فليس مَوضوع البَحث.
لكن إذا أعجبَك كَلامٌ في الدينِ فلا تَعْجَلْ حتى تنظرَ فيه، هل هو
مؤسَّسٌ على حَق وأدلةٍ، أم هو من الرَّأي ومن الفِكْر، فهذا غُثاء كغُثاء
السَّيْل اتركْه، أما إن كان مؤسَّسًا ومؤصَّلاً على الكِتاب والسنَّة فهذا حَق،
فلا تَعجل في أخذِ الكَلام على عَوَاهِنه، حتى ولو أَعْجبتك فصاحتُه وبَلاغَته وقُوَّته
وجَزَالته.
لا تَعْجل فيه حتى تَنْظر، وتَعْرِضه على الكِتاب والسنَّة، وتنظُر من قاله هل هو فَقِيه أم ليس بفقيهٍ؟ حتى تسألَ أهلَ العِلم عنه،
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (3660)، والترمذي رقم (2656)، والدارمي رقم (229).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد