×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الأول

والفقهِ في دِيْنِ اللهِ عز وجل، ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتُهَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ [القصص: 60].

ومن النَّاس: مَن يُطْمَسُ على عقلِه، بسبب كُفْرِه، وبسببِ غفلتِه، فلا يميز بين الضَّارِّ والنَّافعِ، فهو عاقلٌ؛ لكنَّه لم ينتفعْ بعقلِه، حُرِّمَ مِن عقلِه والعِياذُ باللهِ بسببِ كفرِه فصار لا يَعْقِلُ ﴿أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان: 44]، فيحرمه اللهُ عقلَه عقوبةً له حيث لم يستعملْه فيما ينفعه، وإِنَّما استعمله فيما لا فائِدةَ فيه، أَوْ فيما يضرُّه. فالعقلُ من آياتِ اللهِ عز وجل.

قوله: «ويطلب من كلِّ إِنْسانٍ من العمل على قَدَرِ ما أَعْطاهُ من العقل» التَّكْليفُ والأَوامرُ والنَّواهي، والثَّوابُ والعِقابُ، كلُّها منوطةٌ بالعقل.

قوله: «وليس العقلُ باكتسابٍ، إِنَّما هو فضلٌ من اللهِ عز وجل » العقلُ من اللهِ جل وعلا هو الذي يركزه في الإِنْسان، وهو من أَسْرارِ اللهِ جل وعلا في خلقه، ليس الإِنْسانُ هو الذي يكتسب العقلُ، نعم، الإِنْسانُ يُقوِّي عقلَه بالتَّفْكير في آياتِ الله، في تَدَبُّرِ القُرْآن، أَمَّا أَنَّه يكتسبُ عقلاً ليس موجودًا فلا، اللهُ هو الذي أَوْجَدَ فيه عقلاً لا يمكن هو أَنْ يُوجدَ عقلاً من نفسِه ويكتسبُه، لكن بإِمْكانِه أَنْ يُقوِّيَهُ، ﴿أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبٞ يَعۡقِلُونَ بِهَآ أَوۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۖ فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ [الحج: 46]؛ فدلَّ على أَنَّ التَّفْكيرَ في الكونِ والتَّفْكيرِ فيما حصلَ للأُمَمِ السَّابقةِ من الهلاك بسبب الكفر والذُّنوبِ يُفيد الإِنْسانَ ويُقوِّي عقلَه، لا أَنَّه يُوجَدُ له عقلاً كان معدومًا.


الشرح