فهذا مختصر في
الفقه.
****
«فهذا مُختصَرٌ» المُخْتصَرُ هو: ما
قلَّ لَفْظُه وكَثُرَ معناهُ.
والاخْتِصارُ
مَطْلوبٌ، قالَ عليٌّ رضي الله عنه: «خَيرُ الكَلاَمِ مَا قلَّ ودَلَّ».
وكانَ اللهُ سبحانه وتعالى
يَختارُ لنَبِيِّهِ الألفاظَ المُخْتَصَرَةَ الجامِعَةَ؛ فإنَّه صلى الله عليه
وسلم أُوتيَ جوامِعَ الكَلِمَ، وفَصْلَ الخِطابِ فكانَ يقولُ الكَلِماتِ اليسيرَةَ
الَّتي تَشْتمِلُ على مَعانٍ غَزيرَةٍ.
وأنتُم تَرَوْنَ
أحادِيثَه صلى الله عليه وسلم وألْفاظَهُ، وتَرَوْنَ ما شُرِحَت به هذهِ الأحاديث
منَ المُجَلَّداتِ الضَّخْمَةِ الكثيرَةِ؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم أُوتيَ
جوامعَ الكَلم، وأُوتيَ فَصْلَ الخِطابِ.
وهذا مَطْلوبٌ منَ
العالِمِ دَائمًا، أنَّه يَحْرِصُ على الاختصارِ في دُروسِه وفي أحاديثِه وفي
الخُطبِ؛ وخُطبُ الجُمُعةِ خاصَّةً.
قالَ صلى الله عليه
وسلم: «إِنَّ طُولَ صَلاَةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِنْ
فِقْهِهِ. فَأَطِيلُوا الصَّلاَةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ» ([1])، فكلَّما حَصَلَ
الاختصَارُ للمُعَلِّمِ وللمُفْتِي فإنَّه أحْسَنُ منَ التَّطْويلِ.
«في الفِقْهِ» أي: لا في
التَّوْحيدِ، فالتَّوحيدُ في كُتُبِ العَقائِدِ.
والفقْهُ: هو مَعْرفَةُ
الأحْكامِ الشَّرْعيَّةِ منْ أدِلَّتِها التَّفْصيليَّةِ.
والعُلماءُ اعتَنُوا بالمُخْتصرَاتِ العِلْمِيَّةِ؛ منْ أَجْلِ أن تُحْفَظَ، ومنْ أجْلِ أن يَتَدَرَّجَ طالِبُ العلْمِ بها إلى ما فَوْقَها، فلا يُمْكِنُ أن تَأْخُذَ العِلْمَ دُفْعَةً واحدَةً، ولكن تأْخُذُ العِلْمَ شيْئًا فشَيْئًا؛ تَبدَأ منَ المُخْتصراتِ، ثمَّ المُتوسِّطاتِ، ثمَّ المُطوَّلاتِ، فلابُدَّ أن يكونَ العِلْمُ شَيئًا فَشَيئًا،
([1])أخرجه: مسلم رقم (869).
الصفحة 2 / 380