ولا يُحِبُّ لهم الكُفْر وَالعَذَابَ، وإنَّما يُحِبُّ
لهم التَّوْبَة وَالمَغْفِرَةَ وَالنَّعِيمَ، وهذا كلُّه من فَضْلِه سبحانه وتعالى.
فَقوله صلى الله عليه وسلم: «لله أشدُّ فَرَحًا بِتَوْبَة عَبْدِه»
فيه أنَّ الله يَفْرَح فَرَحًا شديدًا أَشَدَّ من فَرَح المَخْلُوقِين.
ثُمَّ ضَرَب صلى الله عليه وسلم مَثَلاً في رَجُل فَقَدَ
رَاحِلَتَه في أَرْض مَهْلَكةٍ ليس فِيهَا ماءٌ ولا طَعَامٌ، وقد اسْتَسْلَم
لِلمَوْت وَنَام تَحْت ظِلِّ الشَّجَرَة بِانْتِظَار هَلاَكِه، وَبَيْنَمَا هو
كَذَلِك فإذا بِرَاحِلَتِه فَوْق رَأْسِه وعليها طعامُه وَشَرَابُه.
فَهَذَا فيه أنَّه لا يَجُوز القُنُوط من رَحْمَة الله
سبحانه وتعالى مَهْمَا اشتدَّ الأَمْر والضِّيقَ بِالعَبْد، بل عَلَيْه أن
يُعَظِّم الرَّجاء بِاللَّه، فكُلَّما اشتدَّ العُسْرُ كان اليُسْرُ قريبًا؛
لِقَوْلِه صلى الله عليه وسلم: «وَاعْلَمْ
أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرْجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ
العُسْرِ يُسْرًا» ([1])
وكما في القُرْآن ﴿فَإِنَّ
مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا ٥إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا ٦﴾
[الشَّرح: 5- 6].
فَفَرِح هذا الرَّجُل فرحًا شديدًا حَتَّى أنَّه أَخْطَأ
في التَّعْبِير عن فَرَحِه من شدَّته فقال: «اللَّهُمَّ
أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ»، والله أشدُّ فَرَحًا من هذا الإِنْسَان، ففي
الحَدِيث إثْبَات صِفَة الفَرَح لِلَّه سبحانه وتعالى مع الاِعْتِقَاد بأنَّ الله
مُنزَّهٌ عن مُشَابَهَة المَخْلُوقِين.
وفي الحَدِيث بَيَان أن المُخْطِئ لا يُؤَاخَذ، فهذا الإِنْسَان أَخْطَأ في التَّعْبِير من شِدَّة فَرْحَةٍ، لَكِنَّ الله لم يُؤَاخِذْه مع كَوْنه وصَفَ الله جل وعلا بِأَنَّه عبدٌ، ووَصَفَ نفسَه بِأَنَّه الرَّبُّ لَكِنَّه لم يتعمَّد هَذَا، والله جل وعلا يقول:
([1]) أخرجه: أحمد رقم (2804)، والحاكم رقم (6304).
الصفحة 2 / 339
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد