أَسْبَاب الْفِتَن
****
وعن
ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبِسَتْكُمْ
فِتْنَةٌ يَرْبُو فِيْهَا الصَّغِيرُ، وَيَهْرَمُ فِيهَا الْكَثِيرُ، وَتُتَّخَذُ
سُنَّةً يَجْرِي النَّاسُ عَلَيْهَا، فَإذَا غُيِّرَ مِنْهَا شَيْءٌ قَيْل:
تُرِكَتْ سُنَّةٌ قِيْل: مَتَى ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: إِذَا
كَثُر قُرَّاؤُكُمْ وَقَلَّ فُقَهَاؤُكُمْ، وَكَثُرتْ أَمْوَالُكُمْ وَقَلَّ
أُمَنَاؤُكُمْ، وَالْتُمِسَتِ الدُّنْيَا بِعَمَل الآخِرَةِ، وتُفُقِّهَ لِغَيْرَ
الدِّينِ». رَوَاه الدَّارمِي ([1]).
****
هذا أثرٌ
عَظِيمٌ من كَلاَم عَبْد الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الصَّحَابِيِّ
الْجَلِيلِ، قَوْلُه: «كَيْفَ أَنْتُمْ»
أي: كَيْف يكون حَالُكُم؟ أو كَيْف تَكُونُون؟
وقولُه: «إِذَا لَبِسَتْكُم» أي: خالطَتْكُم «فِتْنَةٌ يَرْبُو عليها الصَّغِيرُ» يعني: يَنْشَأ عليها
الأَْطْفَال، «ويَهْرَم عليها الْكَبِيرُ»
أي: يَكبُرُ ولم تُغيَّر حتَّى تستقرَّ ويَظُنَّها الجُهَّال سُنَّةً.
وقَوْلُه: «فَإِذَا غُيِّرَ مِنْهَا شَيْءٌ قِيْلَ: تُرِكتْ سُنَّةٌ» أي: تُتَّخذ السُّنةُ بِدْعَةً، وَالْبِدْعَة تُتَّخذ سُنَّةً، وَسَيَكُون هذا في آخِر الزَّمان، فإذا ما دَعَا أَحَد النَّاسِ إلى سُنَّة الرَّسول صلى الله عليه وسلم قالوا: هذا مُبْتَدِعٌ، أو خَارِجِيٌّ، أو وهَّابيٌّ، فيُلقِّبونه بِأَلْقَابٍ شَنِيعَةٍ؛ لأَنَّه خَالَف ما عليه النَّاسُ؛ علمًا بأنَّ الْمَطْلُوب هو الرُّجوع إلى كِتَاب الله تعالى وَسُنَّةِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم لا ما عليه النَّاس؛ فدلَّ على أنَّ ما عليه النَّاس لا يُتَّخَذ حُجَّةً ما دَام مُخالفًا لما جَاء في سُنَّة الرَّسول صلى الله عليه وسلم وَإِنْ تَطاوَل زَمنُها أو تَوَارَثَهَا النَّاس، فلا عِبْرَة بها، فَيَنْبَغِي التَّفطُّن لِهَذَا الأَمْرِ؛ لأَنَّهَا إذا اسْتَقَرَّت في عُقُول النَّاس ظَنُّوهَا سُنَّةً لِدَرَجَة أَنَّهُم يُدافعون عنها
الصفحة 1 / 339