×
شرح أصول الإيمان

النَّهْي عن تِلاَوَة الْقُرْآن دون تدارُسه وَالْعَمَلِ به

****

وعن زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَقَالَ: «ذَلِكَ عِنْدَ ذَهَابِ أَوَانِ الْعِلْمِ» قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ يَذْهَبُ الْعِلْمُ وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَنُقْرِئُهُ أَبْنَاءَنَا وَيُقْرِئُه أَبْنَاؤُنَا أَبْنَاءَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ! إِنْ كُنْتُ لَأَرَاكَ مِنْ أَفْقَهِ رَجُلٍ فِي الْمَدِينَةِ! أَوَلَيْسَ هَذِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ وَالإِْنْجِيلَ لا يَعْمَلُونَ بِشَيْءٍ مِمَّا فِيهِمَا؟!». رَوَاه أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَه ([1]).

****

 ولكنَّ الله يُطْلِعَ رُسُلَه على أَشْيَاءَ من الْغَيْب لأَِجْل تَنْبِيه النَّاس وَلِلدَّلاَلَة على صِدْق رِسَالَتِهِم، فهذا عَلْمٌ من أَعْلاَم نُبُوَّتِه صلى الله عليه وسلم؛ حيث أَخْبَر بأنَّ الْعِلْم سَيُقْبَض في آخِر الزَّمَان، وليس معنى هذا أن يَرْفَع الْعِلْم نَفْسَه بل إن كِتَاب الله تعالى يَبْقَى وَالسُّنَّة كَذَلِك تَبْقَى، وَالْكُتُب تَبْقَى أيضًا بين أَيْدِي النَّاس، ولكن يَقْبِض الْعِلْم بِمَوْت الْعُلَمَاء، لأنَّ الْعِلْم لا بُدَّ له من حَمَلَةٍ يُبَيِّنُونَه ويُوضِّحونه لِلنَّاس، فإذا قُبِض الْعُلَمَاءُ الذين يُبَيِّنُون لِلنَّاس وَيُعَلِّمُونَهُم وَيُفَقِّهُونَهُم، فَحِينَئِذ يُقبض الْعِلْمُ بِقَبْض أَهْلِه.

فَهَذَا خَبَرٌ مَعْنَاه التَّحْذِير من أن يَتَسَاهَل النَّاس في طَلَب الْعِلْم، وإنَّما يَنْبَغِي لهم الْحِرْص عليه لأَِجْل أن يَبْقَى بِبَقَاء الْعُلَمَاء وَيَسْتَمِرَّ، وأمَّا إذا أَعْرَضُوا عنه وَتَسَاهَلُوا فيه فإنَّه حينئذٍ يُقْبَض.

هذا الْحَدِيثُ يُبَيِّن أيضًا كَيْف يُقْبَض الْعِلْم، وأنَّه يُقْبَض أولاً بِقَبْض الْعُلَمَاء، وثانيًا بتَرْك الْعَمَل، فإذا تَرَك النَّاس الْعَمَل قُبِض الْعِلْمُ؛


الشرح

([1])أخرجه: الترمذي رقم (2653)، وابن ماجه رقم (4048)، والحاكم رقم (338).