×
شرح أصول الإيمان

 لأنّ الْعِلْم إنَّما يَكْبُر وَيَزِيد وَيُبَارَكُ فيه من الْعَمَل به، وليس بِمُجَرَّد حِفْظِه دون الْعَمَل به؛ ولأنه إذا ذَهَب أَحَدُهُمَا ذَهَب الآَخَر، وهذا ما وَضَّحَه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِزِيَادٍ رضي الله عنه في هذا الْحَدِيثِ، فَإِنَّ زيادًا قال لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «كَيْف يَذْهَبُ الْعِلْمُ وَنَحْن نَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَنُقْرِئُهُ أَبْنَاءَنَا وَيُقْرِئُهُ أَبْنَاؤُنَا أَبْنَاءَهُم إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ» فقد ظَنَّ رضي الله عنه أنَّ قِرَاءَة الْقُرْآن وتدارُسَه وَحِفْظَه يُبْقِي الْعِلْم، ولم يَكُن يَعْلَم أن الْعِلْم لا يَبْقَى إذا لم يَكُن يُرَافِقُه الْعَمَل، فَتَذْهَب بَرَكَتُه وَنُورُه وَزِيَادَتُه بِتَرْك الْعَمَل به.

ثم ضَرَب صلى الله عليه وسلم مَثَلاً بِبَنِي إسْرَائِيل الذين عِنْدَهُم عِلْمٌ من التَّوْرَاة وَالإِْنْجِيل، فيتعلَّمون ويُعلِّمون منهمَا وَلَكَنَّهُم لا يَعْمَلُون بِهِمَا، فَرَحَل عنهم الْعِلْم؛ لأنَّ الْعِلْم لا يَقْتَصِر بَقَاؤُه على وَجُودِه في الذَّاكِرَة، وإنَّما بَقَاؤُه يكون من خِلاَل الْعَمَل به، ولذلك هو نَزَل، وهو وَسِيلَةٌ وَالْعَمَل به غَايَةٌ، وهو الْمَطْلُوب فإذا ذَهَبْت الْغَايَة لم تَنْفَع الْوَسِيلَة.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «ثَكِلَتْكَ أُمُّك يا زِيَادُ!» الأَْصْل في الثُّكْل أنَّه فُقْدان الْحَبِيب، وَأَكْثَر ما يُسْتَعْمَل في فُقْدان الْمَرْأَة زَوْجَهَا أو ابْنَهَا، فَالأَْصْل في معنى «ثَكِلَتْك أُمُّك»: فَقَدَتْكَ، وَلِكِنَّهَا تُقال ولا يُرَاد مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيُّ، وذلك عند التَّنْبِيه إلى أَمْرٍ كان يَنْبَغِي أن يُنتبَه له ويُعرفَ؛ ولهذا لم يَكُن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم يُرِيد مَعْنَاهَا الأَْصْلِيَّ، وإنَّما هو لَفْظٌ صَار يَجْرِي على اللِّسَان من غير قَصْدٍ لِمَعْنَاه.

·       وَيَتَبَيَّن من هذا الْحَدِيثِ أنَّ الْعِلْم يُفْقَد بِأَحَد أَمْرَيْن أو بِهِمَا معًا:

الأَْوَّل: فَقْد الْعُلَمَاء الذين يُبَيِّنُونَه ويُوضِّحونه وَيُفَسِّرُونَه لِلنَّاس، وَيُبْقَى


الشرح