مَا جَاء في أن لِلَّه يمينًا
****
وعن
أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه مرفوعًا: «يَمِيْنُ اللهِ مَلأَْى لاَ تَغِيضُهَا
نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيلَ والنَّهارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ
السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِيْنِهِ، وَالْقِسْطُ
بِيَدِهِ الأُْخْرَى؛ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ» ([1]).
****
فَهَذَا الحَدِيث حَدِيثٌ عَظِيمٌ فيه -إضافةٌ إلى ما
سَبَق- وصْفُ الله جل وعلا بِالحِجَاب، وأنَّه نُورٌ، وأنَّه لو كُشِف هذا
الحِجَابُ لاَحْتَرَق ما يَنْتَهِي إلَيْه بَصَرُه من خَلقِه، وَبَصَر الله جل
وعلا لا يَحْجُبُه شَيْءٌ، وفيه بَيَان الحِكْمَة من الحِجَاب وهي كما جَاء في هذا
الحَدِيث خشْيةَ أن يَحْتَرِق ما انْتَهَى إلَيْه بَصَرُه سُبْحَانَه من خَلقِه،
وَأَن المَخْلُوقَات لا تَسْتَطِيع مُقَابَلَة جَلاَل الله سبحانه وتعالى لِعَظَمَتِه.
وأمَّا في الآخِرَة، فَإِن الله جل وعلا يُعطي أَهْل
الجَنَّة قُوَّةً يَسْتَطِيعُون بها رُؤْيَتَه سُبْحَانَه، وهذا من إكْرَامِهِم
لمَّا عَبَدُوه في هذه الدُّنْيَا ولم يَرَوْهُ، بل عَبَدُوه إِيمَانًا به
سُبْحَانَه فَأَكْرَمَهُم الله بأنَّ يتجلَّى لهم يوم القِيَامَة في الجَنَّة
وَيَرَوْنَه جل وعلا فَيَرَوْنَه في عَرَصات القِيَامَة وَيَرَوْنَه في الجَنَّة،
لأَنَّه سُبْحَانَه يُعْطِيهِم قُوَّةً ليست لهم في هذه الدُّنْيَا، وإنَّما هي
لهم في الآخِرَة، فيستطيعون بها رُؤْيَتَه سُبْحَانَه ويتلذَّذُون بها، وهذا من
كَرَمِه سبحانه وتعالى لهم.
هذا الحَدِيث فيه وَصْفٌ لِلَّه جل وعلا بأنَّ له يَدَين، وهو سُبْحَانَه أَثْبَت هذا في القُرْآن الكَرِيمِ فقال لِإِبْلِيس: ﴿مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّۖ﴾ [ص:75] أي: لآِدَم عليه السلام، خَلقَه الله بِيَدَيْه، فيه إثْبَات اليَدَيْن لِلَّه، وأنَّ له يمينًا.
الصفحة 1 / 339