باب قَبْض الْعِلْم
****
عن
أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه
وسلم فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا أَوَانٌ
يُخْتَلَسُ فِيهِ الْعِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لاَ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى
شَيْءٍ». رَوَاه التِّرْمِذِيُّ ([1]).
****
وفي هذا فَضْلُ طَلَب الْعِلْم، وَالاِسْتِمْرَارُ عليه
إلى الْمَوْت، وَعَدَمُ الاِكْتِفَاء بما تَمَّ تَحْصِيلِه وإنَّما الْمَرْغُوب
فيه هو الاِسْتِمْرَار فيه حتَّى يَأْتِيه الْمَوْت؛ لأنَّ الْعِلْم ليس له
نِهَايَةٌ ولا حَدٌّ، قال تعالى: ﴿وَفَوۡقَ كُلِّ ذِي عِلۡمٍ عَلِيمٞ﴾ [يوسف: 76]، ومن قال: أَنَا عَالِمٌ، فهو جَاهِلٌ،
وَطَلَب الْعِلْم يَنْبَغِي أَلاَّ يَنْقَطِع لأَنَّه عِبَادَةٌ.
لا شَكَّ أنَّ قِيَام الدِّيْن وَالْحَيَاةِ وَالْعَمَلِ
الصَّالِحِ إنَّما هو بِالْعِلْمِ النَّافِعِ، فَالْعِلْم النَّافِعُ وَالْعَمَلُ
الصَّالِحُ قَرِينَان، فإذا ذَهَب أَحَدُهُمَا لم يَنْفَع الآَخَرُ، فإذا ذَهَب
الْعِلْم لم يَنْفَع الْعَمَل؛ لأَنَّه يكون على جَهِلٍ وعلى غير هدًى وَأَصْبَح
من الْبِدَع وَالْمُحْدَثَاتِ وَالضَّلاَلِ، وإذا ذَهَب الْعَمَل وَبَقِيَ
الْعِلْم، فإنَّه يُصْبِح لا فَائِدَة من هذا الْعِلْمِ؛ لأنَّ ثَمَرَةَ الْعِلْمِ
الْعَمَلُ.
وَاَللَّه جل وعلا يقول: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ﴾ [التوبة: 33]، فالهدى: هو الْعِلْم النَّافِعُ، وَدِيْن
الْحَقِّ: هو الْعَمَل الصَّالِحُ؛ فَالرَّسُول صلى الله عليه وسلم جَاء
بِالأَْمْرَيْن مقترنَين، لا يُغْنِي أَحَدُهُمَا عن الآَخَر.
وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَر في هذا الْحَدِيثِ عن الْمُسْتَقْبَل، وهذا مما أَطْلَعَه الله عليه لِيُخْبِر به النَّاس، وإلاَّ فَإِن الْغَيْب لا يَعْلَمُه إلاَّ الله جل وعلا،
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد