×
شرح أصول الإيمان

الحثُّ على الإِحْسَان إلى المَخْلُوقَات

****

وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مرفوعًا: «أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ، فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا بِهِ» ([1]).

****

فَفِي هذا الحَدِيث الحَثُّ على تَقْوِيَة اليَقِين بِقُرْب الجَنَّة والنَّار، وفيه الحَثُّ على المُبَادَرَة وَالإِسْرَاعِ بِالأَعْمَال الصَّالِحَةِ وَالتَّوْبَةِ من الأَعْمَال السَّيِّئَة، وفيه أنَّ النَّار وَالجَنَّةَ يَبْدَأَانِ مِن حين مَوْت الإِنْسَان ووضْعِه في القَبْر، فَيَأْتِيه نَصِيبَه إمَّا من الجَنَّة وإما من النَّار، وَيَصِير قَبَرُه إمَّا رَوْضَةً من رِيَاض الجَنَّةوإمَّا حُفْرَةً من حُفَر النَّار، وَالقَبْر هو أَوَّل مَنَازِل الآخِرَة، فَإِن نَجَا العَبْد منه فَمَا بَعْدَه أَيْسَر منه.

قَوْلُه: «أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا»، وَالمَرْأَة البَغِيُّ: هي الزَّانِيَة؛ قال تَعَالَى: ﴿وَلَا تُكۡرِهُواْ فَتَيَٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَآءِ [النُّور: 33]؛ يَعْنِي: على الزِّنَا، وهذه المَرْأَة من بَنِي إسْرَائِيل مِمَّن كان قَبْلَنَا، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كان يُحَدِّث أحيانًا عن بَنِي إسْرَائِيل، بِمَا فيه عِبْرَةٌ وَعِظَةٌ لَنَا، وهذه المَرْأَةُ كانت تُمَارِس الزِّنَا وهي كَبِيرَةٌ من كَبَائِر الذُّنُوب وَفَاحِشَةٌ، وقد كانت ذَات يوم تَسِير في طَرِيق فَأَدْرَكَهَا العَطَش، فَنَزَلَت في بِئْر لِتَشْرَب منه فَشَرِبَت وصَعِدت من البِئْر فَلَمَّا خَرَجَت منه رَأَت كَلْبًا يَلهَث من شِدَّة العَطَش، وفي رِوَايَة: «يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ» ([2])، فرَحِمَتْه، فَنَزَلَت في البِئْر مَرَّةً ثَانِيَةً،


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (2245).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (171)، ومسلم رقم (2244).