×
شرح أصول الإيمان

 «فَنَزَعَتْ مُوقَهَا»، وَالمُوق: وهو الخُفُّ الذي يُلْبَس على القَدَم، فَنَزَعَتْه لِعَدَم وُجُود الإِنَاء الذي يُحْمَل فيه المَاء، وَمَلَأَتْه مَاء، وَأَمْسَكَتْه في فَمِهَا ثمَّ صَعِدَت من البِئْر فَسَقَت الكَلْب، فَشَكَر الله لَهَا هذا الإِحْسَان إلى هذه البَهِيمَة فَغَفَر لَهَا هذه الخَطِيئَة.

فَهَذَا الحَدِيث فيه فَوَائِدٌ عَظِيمَةٌ، منها: فَضْل الإِحْسَان إلى البَهَائِم، وأنَّه يَجِب على الإِنْسَان أن يَحْسُن إِلَيْهَا بِإِطْعَامِهَا وسَقْيِها وَتَقْدِيمِ ما تَحْتَاج إلَيْه، وفيه فَضْل سَقْي المَاء لِلعَطْشَان، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُوْل: «أَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَأٍ سَقَاهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ» ([1])، وكذلك البَهَائِم.

وفي الحَدِيث بَيَان سَعَة رَحْمَة الله سبحانه وتعالى، وأنَّه يَغْفِر الذُّنُوب، ولو كانت كَبَائِرَ دون الشِّرْك؛ قال تَعَالَى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ [النساء: 48]، وَقَال: ﴿مَا دُونَ ذَٰلِكَ [النساء: 48] يَعْنِي: ما دون الشِّرْك، فهذه امْرَأَة تُمَارِس كَبِيرَةً قَبِيحَةً من كَبَائِر الذُّنُوب فَغَفَر الله لَهَا.

وهذا فيه رَدٌّ على الخَوَارِج الَّذِين يَرَوْن أن مُرْتَكِب الكَبِيرَة يَخْرُج من الإِسلام فَيَكْفُر بِذَلِك، وهذا مَذْهَبُهُم، وَالمُعْتَزِلَة يَقُولُون: يَخْرُج من الإِسلام ولا يَدْخُل في الكُفْر، فَيَكُون في مَنْزِلَة بين المَنْزِلَتَيْن، وهذا من أُصُول المُعْتَزِلَة، وَأَهْلُ السُّنَّة وَالجَمَاعَةِ يَقُولُون: إنَّ مُرْتَكِب الكَبِيرَة التي دون الشِّرْك لا يَكْفُر، ولكنَّه يَنْقُص إِيمَانُه بِالذُّنُوب كما أنَّه يَزِيد إِيمَانُه بِالطَّاعَات، فَالإِيمَان يَزِيد وَيَنْقُص ولا يَزُول بِالمَعَاصِي التي دون الشِّرْك


الشرح

([1])  أخرجه: الترمذي رقم (2449)، والبيهقي في « الشعب » رقم (3098).