وَدَخَلت قُرَيْش في طَاعَتِه صلى الله عليه وسلم وكانت
هَوَازِنُ تُقيم قريبًا من مَكَّة، فَخَشَوْا من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
أن يَغْزُوَهُم فَاجْتَمَعُوا على غَزْو الرَّسُول صلى الله عليه وسلم قبل أن
يَغْزُوَهُم، فَعَلِم صلى الله عليه وسلم بذلك فَجَهَّز الجَيْش من الَّذِين
جَاءُوا مَعَه من المَدِينَة ومن أَهْل مَكَّة الَّذِين أَسْلَمُوا عام الفَتْح،
فَخَرَج مَعَه صلى الله عليه وسلم جَيْشٌ عَظِيمٌ، وَالْتَقَى الفَرِيقَان في
وَادِي حُنَيْنٍ، وَحَصَل على المُسْلِمِين في أَوَّل الأَمْر ضِيقٌ شَدِيدٌ بعدما
كانوا مُعْجَبِين من كَثْرَة عَدَدِهِم، قال تعالى: ﴿وَيَوۡمَ حُنَيۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ
فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَيۡٔٗا وَضَاقَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ
ثُمَّ وَلَّيۡتُم مُّدۡبِرِينَ﴾
[التوبة: 25].
لَكِنَّ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم ثَبَتَ ولم
يَتَزَحْزَح من مَكَانِه، وَجَعَل يُنَادِي المُسْلِمِين حين أَمَر عَمَّه
العَبَّاس أن يُنَادِي بِصَوْتِه الجَهْوَرِيِّ، فَنَادَى المُسْلِمِين بِنِدَاء
رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَعَاد المُسْلِمُون وَالْتَفُّوا حَوْل الرَّسُول
صلى الله عليه وسلم، ثمَّ دَارَت المَعْرَكَة من جَدِيدٍ فَنَصْر الله
المُسْلِمِين، وَغَنِمُوا أَمْوَال هَوَازِن ونساءَها وأطفالَها، لأنَّ هَوَازِن
جَاءَت بأموالها ونسائِها وأطفالِها إلى أَرْض المَعْرَكَة؛ فَصَارَت غَنِيمَةً
لِلمُسْلِمِين.
فَلَمَّا انْتَهَت المَعْرَكَة وَغَنِم المُسْلِمُون مَغَانِم هَوَازِن، وجُمعت هذه الغَنَائِم، رَأَى الرَّسُول صلى الله عليه وسلم امْرَأَةً مُسْرِعَةً تُجَوِّب العَسْكَر مُشْفِقَةً تَبْحَث عن وَلَدهَا، فَلَمَّا رَأَتْه أَخَذْته وَأَلزَقَتْه بِبَطْنِهَا وَجَعَلت تُرضعه، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَِصْحَابِه: «أَتَرَوْن هذه المَرْأَةَ طارحةً وَلَدَهَا في النَّار؟» قالوا: لا واللهِ: فقال صلى الله عليه وسلم: «لَلَّه أَرْحَم بِعِبَادِه من هذه بِوَلَدِهَا» ([1]).
([1]) أخرجه: البخاري رقم (5653)، ومسلم رقم (2754).
الصفحة 2 / 339