×
شرح أصول الإيمان

وَقَوْله: «مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلاَسِلِ» أَي: أَنَّهُم أُسِروا وقُيِّدوا حَال كَوْنَهُم كُفَّارًا في الجِهَاد في سَبِيل اللَّه، ثمَّ بعد ذلك أَسْلَمُوا، فَيَكُون هذا الأَسْر سببًا لِإِسلامهِم ومن ثَمَّ لِدُخُولِهِم الجَنَّة، فكان أَسْرُهُم مصلحةً لَهُم، وهذا من العَجَائِب؛ إذ لا أَحَد يَرْفُض دُخُول الجَنَّة، وَلَكِن إذا كان الإِنْسَان لم يَعْمَل عملاً يُؤهِّله لِدُخُول الجَنَّة فإنَّه لا يَدْخُلُهَا، فَالكَافِر لا يَدْخُل الجَنَّة، وَلَكِن إذا أَرَاد الله له السَّعَادَة فإنَّه قد يَدْخُل الجَنَّة بِسَبَبٍ يَكْرَهُه، فهو يَكْرَه الأَسْر، ولكنَّه صَار سببًا في سَعَادَتِه، أَسَرَه المُسْلِمُون وَقَيَّدُوه بِالسَّلاَسِل ثمَّ إنَّه تَاب وَأَسْلَم بِسَبَب الأَسْر فَدَخَل الجَنَّة، وهذا من العَجب!

فَهَذَا الحَدِيث فيه إثْبَات صِفَة العَجَب لِلَّه سبحانه وتعالى، وَهَى صِفَة تَلِيق بِجَلاَلِه.

وَفِيْه أنَّ الإِنْسَان قد يَكْرَه شيئًا ويكون خيرًا لَه، وقد يُحِبُّ شيئًا ويكون شرًّا لَه، قال تَعَالَى: ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡ‍ٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡ‍ٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ [البقرة: 216].

وَفِيْه أنَّ الجِهَاد في سَبِيل الله شُرِع لِغَايَةٍ عَظِيمَةٍ وهي إخْرَاج النَّاس من الكُفْر إلى الإِيمَان، وَإِنْقَاذُهُم من النَّار إلى الجَنَّة، فَلَم يُشْرَع الجِهَادُ في الإِسلام من أَجْل قَتْل النَّاس وَسَفْكِ دِمَائِهِم أو من أَجْل أَخْذ أَمْوَالِهِم وَسَبْي نِسَائِهِم وَالاِسْتِيلاَء على بِلاَدِهِم، لم يُشْرَع الجِهَادُ في الإِسلام من أَجْل ذَلِك، وإنَّما شُرِع من أَجْل غَايَةٍ عَظِيمَةٍ وهي إخْرَاج النَّاس من النَّار


الشرح