﴿وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ
يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا
وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾
[الْبَقَرَة: 132]، هَكَذَا يَطْمَئِنّ الْوَالِدُ على عَقِيدَةِ أَوْلاَدِه من
بَعْدِه، وهذا من النُّصحِ ومن كَمَالِ الشَّفَقَة، وإذا كان هذا عند الْمَوْتِ
فَكَيْف بِحَالِ الْحَيَاةِ وَالصِّحَّة ! ولهذا فإنَّه يَنْبَغِي لِلْوَالِدِ أن
يَعْتَنِيَ بِالْمُحَافَظَةِ على أَوْلاَدِه، وَالْمُحَافَظَة على عَقِيدَتِهِم
وعلى دِينِهِم، وَأَن يعلِّمَهم الْخَيْرَ وَيَحُثُّهُم على تجنُّبِ الشرِّ
وَوَسَائِلِ الْمَعَاصِي حَتَّى يُنْشَّئُوا نشأةً صالحةً.
وفي هذا الْحَدِيثِ أيضًا أنَّ الْوَلِيدَ يَطْلُبُ من
وَالِدِه أن يُوصِيه، وهذا من حَرَصِ السَّلَفِ على الْخَيْرِ وَالتَّوَاصِي به
كما قال تعالى: ﴿وَتَوَاصَوۡاْ
بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾
[الْعَصْر: 3].
وفي الْحَدِيثِ أن عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ طَلَبَ أن
يُجلِسوه، اهتمامًا منه رضي الله عنه بِالْوَصِيَّة، فأَجلَسوه، فَأَوْصَى ابْنَه
وَصِيَّته الْعَظِيمَة، أَوْصَاه أن يُؤْمِنَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَر، فَدَلَّ
على أَهَمِّيَّةِ هذا الأَمْر، فإنَّه في هذا الْمَوْقِفِ وهذه الْحَالَةِ الْحَرَجَةِ
أَوْصَاه الإِْيمَانَ بِالْقَضَاء وَالْقَدَر؛ لأَنَّه قد ظَهَرَت في آخَرِ عَهْدِ
الصَّحَابَةِ فِرْقَةُ القدَريةِ الَّذِين كانوا يَنْفُون القَدَر، فتَحاذَرهم
الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم وحذَّروا منهم؛ وهكذا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِين إذا
ظَهَرَت فِرْقَةٌ ضَالَّةٌ أن يُحاصروها وَأَن يحذروا منها، وَأَنْ يقوموا ضدَّها
حَتَّى يَسْلمَ هذا الدّيْن من دُعاةِ الضَّلاَلِ.
وَلَمًّا ظَهَرَت فِرْقَةُ الْقَدَرِيَّةِ أَوْصَى عُبَادَةُ ابْنَه بِالْحَذَرِ من هذه الْفِرْقَةِ وَمَذْهَبِهَا وَأَن يُؤْمِنَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ عكسًا لمَّا عَلَيْه هذه الْفُرْقَةُ الضَّالَّةُ التي تُشكِّكُ أو تَنْفِي الْقَضَاءَ وَالْقَدَر، فَأَوْصَاه أن يُؤْمِنَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَر، وقال لَه: «لَن تَجِدَ طَعْمَ الإِْيمَانِ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَر،
الصفحة 2 / 339