يَعْنِي: لا تتَّبعوا غيرَه من الأَْكَابِر
والرُّؤساءِ والرَّجالِ الَّذِين تَزْعُمُون أَنَّهُم عُلَمَاؤُكُم وأولياؤُكم،
فتطيعونهم وترفضون ما جَاء به الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم؛ وهذا من اتَّخاذِ
الأَْوْلِيَاء، فمَن أَطَاعَ مخلوقًا في مَعْصِيَةِ اللهِ فقد اتَّخذه وليًّا من
دونِ اللَّه، فلا يُطاع الْعُلَمَاءُ ولا أحدٌ من النَّاسِ إلاَّ إذا أَطَاعَ
اللهَ سبحانه وتعالى ووافقَ كِتابَ اللهِ وسُنةَ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم،
أمَّا من خَالَف فإنَّه لا يُعتبر، سَوَاءٌ كانت مُخَالَفَتُه عن تعمُّدٍ وَعِنَاد
أو كانت عن اجْتِهَادٍ وأخطأ فِيْه.
فَلا يَجُوزُ تَقْلِيدُ النَّاسِ تقليدًا أَعْمَى من
غيرِ بَصِيرَة، وإنَّما يَجُوزُ تَقْلِيدُ من تمسَّكَ بِالْكِتَابِ والسُّنةِ
وأصابَ الحقَّ، وأمَّا من خَالَفَ فإنَّه لا يُعتبرُ حَتَّى ولو كان مجتهدًا وأخطأ
في اجْتِهَادِه، وهذه قَاعِدَةٌ يَنْبَغِي أن يَعْرِفَهَا طَالِبُ الْعِلْم؛ إذ أن
هناك من يتعصَّبون لِمَذَاهِبِهِم وَمَشَايِخِهم ولرؤسائِهم وَقَادَتِهم دون
رُجُوعٌ إلى كُتَّابِ اللهِ عز وجل.
والحقُّ في ذَلِك: هو أنْ تُوزَنَ كلُّ الأُْمُورِ بِمِيزَانِ الْكِتَابِ والسُّنة، فَمَا وَافَقَهُمَا وَجَبَ الأخذُ بِه، وما خَالَفَهُمَا وَجَبَ رفضُه وعدمُ الالتفاتِ إلَيْه، ولا يُعتبرُ هذا إهانةً لِلْعَالِم إذا ما تُجنِّب خَطَؤُه، بل إنَّ الْعُلَمَاءَ أنفسَهم يَقُولُون: إذا وافَقَ قولُنا قولَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فخُذوه، وإذا خَالَفَه فَاضْرِبُوا بِقَوْلِنَا عُرْضَ الْحَائِط، كَذَا قال الإمامُ الشَّافِعِيُّ وَمَثلُه الإمامُ مَالِك وَأَحْمَد ومن قَبْلِهِم الإمامُ أَبِو حَنِيفَة رَحِمَهُم اللهُ جميعًا، فكلُّهم حَذَّرونا من أَخْذِ أَقْوَالِهِم كقضيَّةٍ مسلَّمة، بل يَنْبَغِي أن تُعرضَ أقوالُهم على كِتابِ اللهِ تعالى وسُنَّةِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم، فإذا وَافَقْتْ فَبِهَا ونِعْمَت وإنْ خالفتْ فإنَّنا نترحَّمُ عَلَيْهِم وَنَعْتَذِرُ لهم وَلَكِن لا نَأْخُذُ خَطَأَهُم، ولا يُعتبرُ هذا تنقُّصًا لهم حَاشَى وكلاَّ!
الصفحة 2 / 339