×
شرح أصول الإيمان

الثَّالِث: الحُدود، هي الْمُبَاحَات التي أَبَاحَهَا الله وأحلَّها لِلنَّاس، فلا يَنْبَغِي تعدِّي الْحَلاَل إلى الْحَرَام؛ قال تعالى: ﴿تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ [البقرة: 229] وَحُدُود الله تُطلَق ويُراد بها الْمُبَاحَاتُ فَيُقال: فلا تَعْتَدُوهَا، وتُطلَق ويُراد بها المحرَّماتُ فَيُقال: فلا تَقْرَبُوهَا؛ يعني: ابتعدوا عنها وعن الْوَسَائِل الْمُوَصِّلَة إِلَيْهَا، وأمَّا الْمُبَاحَات فلا تتعدَّوها إلى الْحَرَام.

الرَّابِع: الْمَسْكُوت عنه الذي لم يُفرَض ولم يُحرَّم، ولا يُوجَد دَلِيلٌ على إبَاحَتِه، وَسَكَتَ الله عنه فنَسكتُ عنه، وهذا معفوٌّ عنه فلا نَبْحَث فيه من حيث هو حَلاَلٌ أَم حَرَامٌ، فلا دَلِيل على تَحْرِيمِه ولا على إبَاحَتِه، ولا على أنَّه وَاجِبٌ، فيَسَعُنا السُّكُوت عنه؛ لأَنَّه لو كان لَنَا به حَاجَةٌ لبيَّنه الله لَنَا.

وفي هذا الْحَدِيثِ أنَّه يَجِب فِعْلُ الْوَاجِبَات وتَرْكُ المُحرَّمات وَالاِقْتِصَارُ على الْمُبَاحَات، وَالسُّكُوتُ عن الْمَسْكُوت عنه، ومثل هذا كان في وَقْت النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا جَاء في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡ‍َٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡ‍َٔلُواْ عَنۡهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ [الْمَائِدَة: 101]، فهل هذا يعني تَرَكَ الْبَحْث عن الْمَسْكُوت عنه في عَهْد الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أَم هو عامٌ إلى أن تَقُوم السَّاعَة؟ الظَّاهِر والله أَعْلَم- أنَّه عامٌ إلى أن تَقُوم الساعةُ، فالمَسْكوت عنه الذي لا دَلِيل على إيجَابِه ولا على تَحْرِيمِه ولا على إبَاحَتِه فَإِنَّنَا نَسْكُت عنه كما سَكَت الله عنه، والله جل وعلا لم يَسْكُت عنه نِسْيانًا؛ لأنَّ الله لا يَنْسَى، إنَّما سَكَت عنه رحمةً بِالْعِبَاد؛ ولهذا قال عنه صلى الله عليه وسلم: «رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ».


الشرح