لا
لَبْس فِيهَا، وَعَدَم التَّعَمُّق بِالأَْلْفَاظ الْغَامِضَةِ والغريبة بِحَيْث
يصعُب على السَّامِع فَهْمُهَا، وهكذا كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: «الْحَيَاءُ وَالْعِيُّ» الْحَيَاء: خُلُقٌ يَمْنَع الإِْنْسَان ممَّا
يَسْتَحْي من قَوْلِه أو ظُهُورِه وممَّا لا يَلِيق، هذا هو الْحَيَاء
الْمَحْمُودُ، وهو من الإِْيمَان كما قال صلى الله عليه وسلم: «الإِْيْمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً،
أَعْلاَهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَْذَى عَنِ
الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِْيْمَانِ» ([1])،
وَالْمَطْلُوب هو الْحَيَاء الذي يَكُفُّ صَاحِبُه عمَّا لا يَلِيق، وهو الذي يكون
من الإِْيمَان. وأمَّا الْحَيَاء الذي يَمْنَع صَاحِبُه من التَّعَلُّم
وَالسُّؤَالِ عمَّا يَحْتَاج إلَيْه، ومن التَّعْلِيم والدَّعوى إلى الله ومن
الأَمْر بِالْمَعْرُوف وَالنَّهْيِ عن الْمُنْكَر فهو حَيَاءٌ مَذْمُومٌ، وهو
خَجَلٌ لا حَيَاءٌ، وهو غير مَطْلُوبٍ، والله جل وعلا يَقُوْل: ﴿وَٱللَّهُ لَا
يَسۡتَحۡيِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ﴾
[الأحزاب: 53]، فَالْحَيَاء الذي يَمْنَع من الْحَقِّ هو حَيَاءٌ مَذْمُومٌ وليس
هو الْمَمْدُوح.
وَقَوْلُه: «الْعِيُّ» يَعْنِي: قِلَّة الْكَلاَم، لا الْعَجْز عن الْكَلاَم، فيكون هذا شاهدًا لِلْبَاب، فَيَنْبَغِي الاِقْتِصَار على ما يُحتاج إلَيْه من الْكَلاَم وَعَدَم الزِّيَادَة فيه شيئًا لا يَحْتَاج إلَيْه، وهذا من الإِْيمَان أيضًا، وَإِنَّ صَاحِبَه يكون مُتَّصِفًا بِالإِْيمَان، فَإِن كان يُرِيد الْمَدْح وَالثَّنَاءَ فهو من النِّفَاق، لكن إذا كان يُرِيد بَيَان الْحَقِّ لا الْمَدْحَ وَالثَّنَاءَ فهو من الإِْيمَان؛ فقِلَّة الْكَلاَم وَالاِقْتِصَارُ على ما يُحْتَاج إلَيْه إنَّما هو من الإِْيمَان، بِخِلاَف كَثْرَة الْكَلاَم التي هي من النِّفَاق، لأنَّ الْغَالِب على صَاحِبِه حبُّ الظُّهُور وَالْمَدْحِ.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (35).
الصفحة 2 / 339