×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الأول

والرسول صلى الله عليه وسلم ما تركَ شيئًا إلا وبيَّنه لأُمَّته، حتى قالَ بعضُ الصحَابة: «تَرَكَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ إِلاَّ ذَكَرَ لَنَا مِنْهُ عِلْمًا» ([1]).

ما تركَ شيئًا مما تَحْتَاجه البشريَّة، مما يُقرِّبها إلى اللهِ، ويُبْعِدها عن الكُفْر والضَّلال إلا بيَّنه، وقد قالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي» ([2]).

تركَ أُمَّته على البَيْضَاء لَيْلُها كنَهَارِها، ولما أَكْمَلَ اللهُ به الدِّين، وأَتَمَّ به النِّعْمَة انتقلَ إلى جِوار رَبِّه، بعدما بلَّغ البَلاَغ المُبين، وأَوْضَح السنَّة لأصحابِه وقالَ في خُطبةِ حِجَّة الوَدَاع: «أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟»، قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ، وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ([3]).

قوله: «وهم الجَماعة، وهم السّوَاد الأعظم» أصحَابه صلى الله عليه وسلم هم الجَماعة، أي: هم أَصْل الجَماعة، ثم الَّذين يَلُونهم، ثم الذين يَلُونهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ([4]) الصحَابة، والتابعُون، وأتبَاع التابعِين، وهم القُرون المُفضلة، هؤلاء هم الجَماعة، ومَن جَاء بَعدهم فهو تَابع لهم، يَتبع الأَصل الَّذي عليه صَحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ [التوبة: 100].


الشرح

([1])  أخرجه: البزار رقم (3897).

([2])  أخرجه: الدارقطني رقم (4606)، والبزار رقم (8993)، والحاكم رقم (319).

([3])  أخرجه: البخاري رقم (67)، ومسلم رقم (1679).

([4])  أخرجه: البخاري رقم (3450)، ومسلم رقم (2535).