وقوله: «وعِلْمه بكل
مَكانٍ، ولا يَخلو من عِلمه مكانٌ» عِلمه بكل مَكان، ﴿إِنَّ ٱللَّهَ
لَا يَخۡفَىٰ عَلَيۡهِ شَيۡءٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِ﴾ [آل عمران: 5]، ﴿وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَيۡبِ
لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا
تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡأَرۡضِ
وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ﴾ [الأنعام: 59]، ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي
يَتَوَفَّىٰكُم بِٱلَّيۡلِ﴾ يعني النَّوْم، ﴿وَيَعۡلَمُ
مَا جَرَحۡتُم بِٱلنَّهَارِ﴾ أي: ما كَسبتم، ﴿ثُمَّ
يَبۡعَثُكُمۡ فِيهِ لِيُقۡضَىٰٓ أَجَلٞ مُّسَمّٗىۖ﴾ [الأنعام: 60]،
تَقُومون من النّوْم، من الذي أنامَكم في الأوَّل، ومن الذي أَيْقَظكم؟ هو الله
سبحانه وتعالى.
فلو فكَّرت في هذا الكون لَدَلَّكَ هذا على عَظَمة الله، وسلَّمت لله عز
وجل، لو تأمَّلت في كَلام الرسُول صلى الله عليه وسلم وما أخبرَ به من الحَوادث
المَاضية والمُستقبلة، التي تَأتي كما أخبرَ صلى الله عليه وسلم، من الذِي دلَّه
على هذا؟ هو اللهُ جل وعلا، هو الذِي أَوْحَى إليه، ليس هو من عِنده، وإنما هو مِن
عِند اللهِ عز وجل.
لو نزَّلت الأحاديثَ على الوَقائع فإنك تتعجَّب، الرسول صلى الله عليه وسلم
يذكُر لنا من سِيَر الأنبياءِ والأُمَم الشَّيْء الكثِير مع أن عَصْرَه متأخِّرٌ،
من الذي أَطْلَعَه على هذا؟ هو اللهُ جل وعلا، فهذا دليلٌ على أنه رسولٌ من عِند
اللهِ.
هذا القرآن العظيمُ لا يُمْكِن أن يأتيَ به مِن عِند غيرِ اللهِ: ﴿قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ
وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ
بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا﴾ [الإسراء: 88]، هو
من كَلام الله جل وعلا، وإنما الرسُول مُبَلِّغٌ عن اللهِ جل وعلا، ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ
لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ﴾ [الأنعام: 19] فهو مُبَلِّغٌ عن الله جل وعلا.
الصفحة 9 / 260