×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الأول

نقول: نَعَمْ هذا في الدُّنيا، لأن الوَاقِعة هذه حَصَلَتْ في الدُّنيا، نحن مُتَّفِقون على أن اللهَ لا يُرَى في الدنيا، فمُوسى سأل أن يَرَاه في الدُّنيا، قال الله جل وعلا: ﴿قَالَ لَن تَرَىٰنِي يعني في الدُّنيا، والنَّفْي بـ ﴿لَن لا يَقتضي التَّأْبِيد، بل هو نَفيٌ مُؤقَّت، فهو ﴿قَالَ لَن تَرَىٰنِي يعني: لن تَرَاني في الدنيَا، وفي لُغة العَرَب أن النفيَ بـ ﴿لَن لا يقتضِي التَّأْبِيد، ولهذا يقولُ ابنُ مالكٍ في «الكافِية الشافِية» في النحو:

وَمَنْ يَرَى النَّفْيَ بِـ«لَنْ» مُؤَبَّدًا **** فَقَوْلُهُ ارْدُدُ وَسِوَاهُ فَاعْضُدَا

أي أن ﴿لَن لا تَقتضي النفيَ المُؤبَّد. والدليلُ أيضًا: أن اللهَ قال في اليَهُود: ﴿قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةٗ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٩٤وَلَن يَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ ٩٥ [البقرة: 94- 95]، مع أنه جاءَ أنهم في الآخِرة يتمنَّون المَوْت ليَسْتَرِيحوا من العَذَاب، قال تعالى: ﴿وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّٰكِثُونَ [الزخرف: 77]، طَلبوا المَوت؛ فدلَّ على أن ﴿لَن ليستْ للنفيِ المُؤبَّد: هذا هو مُقتضى اللغةِ العربيةِ، وهو مُقتضى ما دلَّ عليه القُرآن.

قالوا أيضًا: مما يدلُّ على أن اللهَ لا يُرَى، قوله: ﴿لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَٰرَۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ [الأنعام: 103].

نقول لهم: هذا لَيس نفيًا للرؤيَة، وإنما هو نفيٌ للإدراكِ، ما قالَ: لا تَراه الأبصَار، قال: ﴿لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ ونفيُ الإدراكِ غيرُ نفيِ الرؤيةِ، فالأبصَار تَراه لكِنها لا تُدْركه، يَعني لا تُحيط به، فالإدرَاك هو: الإحَاطة بالله جل وعلا، فَهُمْ وإن رَأَوْه في الجَنة لا يُحيطون به سبحانه وتعالى.


الشرح