×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الأول

هذه الدُّورُ التي يمُرّ بها العِباد، دَار الدنيَا مَحَلّ العَمل، ودار البَرْزَخ وهي مَحَلّ الانتظارِ، ودار القَرار هي دَار الجَزاء. والله جل وعلا يقول: ﴿حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ [التكاثر: 2] فدلَّ على أن المَقابر ليست مَحَلّ إقامةٍ، بل الإنسانُ فيها مِثل الزائِر الذِي يزورُ ويَرْتَحِل، جعلَ المُكْث في المَقَابِر زِيارة، لأنه يُقِيم فيها ثم يَرْتَحِل.

لكن في فَتْرَة وُجوده في القَبر أوَّل ما يُوضَع في القبر ويُسَوَّى عليه التُّراب، وينصرِف الناسُ عنه، «وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ» ([1])، يأتيه مَلَكَانِ في القبر فيُجْلِسَانه وتُعاد رُوحُه في جَسَده، ويَحْيَا حياةً بَرْزَخِيّةً، وليست مِثل الحياةِ التي في الدُّنيا، فيَسْألانه: من ربُّك؟ وما دينُك؟ ومن نبيُّك؟

فإذا أجابَ على هذه الأسئلةِ بجَوابٍ صحيحٍ نَجَا، ويَسعد سعادةً لا شقاءَ بعدَها، ويُوسَّع له في قَبره مَدَّ بَصره، ويُفتَح له بابٌ إلى الجَنة، ويَأتيه من رَوْحِها وطِيبها، ويُؤمَر له بفِراش من الجَنة، فلا يَزال في نعيمٍ في قَبْره، وهذا أمرٌ غَيْبِيّ لا نَعلَمه، فلو فتحنَا القَبر ما وَجدنا من ذلك شيئًا، لأنه في عَالمٍ ونَحن في عَالمٍ آخرَ.

وأما المُنافق والمُرتاب فإنه يقول: «إِذَا قِيلَ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي، مَنْ نَبِيُّكَ؟ لاَ أَدْرِي، مَا دِينُكَ؟ لاَ أَدْرِي»، حتى وإن كانَ في الدنيَا مُتعلمًا ويحفظ المُتون والشُّروح، ويحفَظ اللغة، وهو خطيبٌ مِصْقَع، ومتحدثٌ مُفَوَّه، لكن إذا كان ليس عنده إيمانٌ؛


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (1273)، ومسلم رقم (2870).