ومثلُ هذا ما جاءَ في قوله صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ
فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهَا كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا:
إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا
خَاصَمَ فَجَرَ» ([1]) فهذا المؤمنُ قد
يصدر منه النِّفاقُ العمليُّ، وهو نقصٌ في إِيْمانه ومستحقٌّ للوَعِيْدِ لكنَّه لا
يخرج بذلك من الدِّين.
وهذا النِّفاقُ هو الرِّياءُ الذي خافه رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم
على أَصْحابه، وسمَّاه الشِّرْكَ الأَصْغرَ قال: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَْصْغَرُ»
قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الأَْصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل لَهُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى
الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ
عِنْدَهُمْ جَزَاءً» ([2]).
وقال صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟» قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ: «الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي، فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ، لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ» ([3]) إِذا صلَّى عند النَّاس يُزيِّنُ صلاتَه، وإِنْ صلَّى في بيتِه أَوْ محلٍّ خفيٍّ فإِنَّه يَنْقُرُ الصَّلاةَ، فهذا هو الذي خافه الصَّحابةُ على أَنْفُسِهم خوفًا شديدًا، ولا أَحَدٌ يُبْرِئُ نفسَه منه فيخاف الإِنْسانُ منه، ولهذا قالوا: «لاَ يَخَافُهُ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، ولاَ يَأْمَنَهُ إِلاَّ مُنَافِقٌ» فالمسلمُ يخاف على نفسه من هذا النِّفاقِ وهو النِّفاقُ الأَصْغرُ.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (34)، ومسلم رقم (58).