×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الأول

 ردٌّ على المُمثِّلة ﴿وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ [الشورى: 11] هذا ردٌّ على المُعطِّلة، ودلَّت الآيةُ على أَنَّ إِثْباتِ الأَسْماءِ والصِّفاتِ لا يقتضي التَّشْبيهَ والتَّمْثيلَ. هذا هو المنهجُ الصَّحيحُ في مَسْأَلِة الأَسْماءِ والصِّفاتِ.

مثل: «قُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عز وجل » تُثْبِتُ الأَصابعَ للرَّحْمن كما جاءَتْ في الحديثِ، ولا تقلْ: إِنَّها مِثْلُ أَصابع المخلوق، فهذا تشبيهٌ، نُنَزِّهُ اللهُ عنه، بل نُثْبِتُها على ما يليق بجلال الله سبحانه وتعالى، ليست كأَصابع المخلوقين.

وتُثْبِتُ الحديثَ القدسيَّ الذي يقول اللهُ جل وعلا فيه: «وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» ([1]) بمعنى: مَن أَسْرع إِلى رضائِي وطاعتي؛ أَسْرعتُ في مغفرةِ ذنوبِه وقضاءِ حوائِجِه، فليس معناه الهَرْوَلَةُ المعروفةُ عندنا، وإِنَّما فسَّره آخرُ الحديث بقوله: «وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» فمعنى الهَرْوَلَةِ هنا: المبادرةُ بقضاءِ حوائِجِ عَبْدِه، كما أَنَّ العبدَ يُبادر إِلى طاعةِ الله فهل العبدُ يُهَرْوِلُ حقيقةً أَوْ معنًى؟ ففي هذا ردٌّ على بعض المتسرِّعين الذين يُثْبِتُون للهِ الهَرْوَلَةَ، وهذا من باب أَفْعال المقابلة، كما قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يَلۡمِزُونَ ٱلۡمُطَّوِّعِينَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهۡدَهُمۡ فَيَسۡخَرُونَ مِنۡهُمۡ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنۡهُمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 79]، ﴿وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ١٤ٱللَّهُ يَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ وَيَمُدُّهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ ١٥ [البقرة: 14- 15]، ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ [آل عمران: 54].


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (6970)، ومسلم رقم (2675).