×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الأول

 الجزاءِ ما يُجْرِيه عدلٌ، أَمَّا من ناحيَّة العطاءِ فهذا فضلٌ منه سبحانه وتعالى، ولا أَحدٌ يعترض عليه.

قوله: «فمَن قال: إِنَّ فضلَ الله على المؤمنِ والكافرِ سواءٌ فهو صاحبُ بِدْعةٍ» هذا قولُ المعتزلة، يقولون: إِنَّ الله يجب أَنْ يجعلَ النَّاسَ كلَّهم مؤمنين، ولا يجعل بعضَهم كافرًا وبعضَهم مؤمنًا، يجعلهم كلَّهم أَغْنياءَ، يجعلهم كلَّهم علماءَ، وهذا اعتراضٌ على الله سبحانه وتعالى، لأَنَّ اللهَ حكيمٌ، وليس من حِكْمَتِه أَنَّه يجعل النَّاسَ كلَّهم سواءً في العلم، أَوْ في الثَّرْوة، أَوْ في الثَّواب والعقابِ.

وليس من حِكْمَتِه أَنْ يجعلَ النَّاسَ كلَّهم أَغْنياءَ، لو كان كلُّهم أَغْنياءَ خرب الكونُ، لأَنَّهم لا يجدون مَن يقوم بالأَعْمال، ويتوقف الإِنْتاجُ، ولهذا فاللهُ سبحانه وتعالى فضَّل بعضَ النَّاس على بعضٍ في الرِّزْق، جعل هذا غنيًّا، وهذا فقيرًا لأَجْل عِمارةِ الكَوْن، لو كانوا كلُّهم أَغْنياءَ ما أَنْتجوا شيئًا، ولو كان كلُّهم فقراءَ ما استطاعوا يشتغلون وينتجون.

فاللهُ فَاوَتَ بينهم لأَجْلِ عِمارةِ الكَوْن. ﴿أَهُمۡ يَقۡسِمُونَ رَحۡمَتَ رَبِّكَۚ نَحۡنُ قَسَمۡنَا بَيۡنَهُم مَّعِيشَتَهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضٗا سُخۡرِيّٗاۗ وَرَحۡمَتُ رَبِّكَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ [الزخرف: 32]، يعني: يُسَخِّرُ بعضَهم بعضًا للعمل بالأُجْرة، عند ذلك يتنامى الكونُ، وتحصل المصالحُ.

قوله: «بل فضَّل اللهُ المؤمنَ على الكافر، والطَّائِعَ على العاصي، والمعصومَ على المخذول» فضَّل اللهُ المؤمنَ على الكافر، وفضَّل اللهُ المطيعَ على العاصي، هذا عدلُه سبحانه وفضلُه، فلا أَحدٌ يعترض عليه.


الشرح