×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الأول

 ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ [آل عمران: 105]، فنَهَانا عن التَّفرُّقِ وأَمَرَنا بالاجتماع والاعتصامِ بكتاب اللهِ وسُنَّةِ رَسُولِه، فقال: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153]، فلا يجوز التَّفرُّقُ والاختلافُ تَبَعًا للأَهْواءِ، أَوْ تقليدًا للآباءِ والأَجْدادِ، أَوْ تقليدًا لليَهُودِ والنَّصَارَى، الاختلافُ لا يجوز في أُمورِ العقيدة وأُصولِ الدِّيْن، وإِنَّما يجب الاتِّفاقُ والاجتماعُ عليها.

وأَمَّا الاختلافُ في المسائِلِ الفِقْهيَّةِ فهذا يحصل ولكنْ يجب الرُّجوعُ إِلى ما قام عليه الدَّليلُ من الأَقْوال، قال تعالى: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ [النساء: 59]، إِذًا الاختلافُ في العقيدة لا يجوز؛ لأَنَّ العقيدةَ توقيفيَّةٌ، ليست محلَّ اجْتِهادٍ.

وأَمَّا في مسائِل الفقه والاستنباطِ: فكلٌّ يجتهد ويستنبط مِن أَهْل العلم المُؤَهّلين للاجتهاد، وقد يختلفون في وجهاتِ نظرِهم ولكنْ لا يبقون على الاختلاف، بل يرجعون إِلى كتاب الله وسُنَّةِ رَسُولِه، فمَن كان معه الدَّليلُ تَبِعُوهُ وأَخَذُوا بقوله، وتَرَكُوا رَأْيَهم. هذا مذهبُ أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، وهذا الذي أَرْشَدَنَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم إِليه، أَمَّا أَنْ نقولَ: اتْرُكُواالنَّاسَ كلٌّ يأْخذ برَأْيِه، واختلافُ الأُمَّة رحمةٌ كما يقولون، فنقول: هذا باطلٌ، اللهُ جل وعلا يقول: ﴿وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ ١١٨إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ ١١٩ [هود: 118- 119]، فدلَّ قوله: ﴿إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ


الشرح