فليس مُجَرَّدُ القرابةِ هو المُقْتَضِي للحقِّ، وإِنَّما القرابةُ مع
الإِيْمان، قال تعالى: ﴿قُل لَّآ أَسَۡٔلُكُمۡ
عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ﴾ [الشورى: 23] أَيْ:
قرابةُ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم على قولٍ، وجعل اللهُ لهم حظًّا من الخمس،
قال تعالى: ﴿وَٱعۡلَمُوٓاْ
أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ﴾ [الأنفال: 41]
قرابةُ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم.
قوله: «واعرفْ فضلَ قُرَيْشٍ والعربِ»
ثم من بعد بَنِي هَاشِمٍ فضلَ المسلمين من قُرَيْشٍ، لهم فضلٌ على بقيَّة العرب،
ثم العربُ لهم فضلٌ على العجم، لماذا؟ لأَنَّ اللهَ أَنْزلَ القُرْآنَ بلُغَتِهم،
وبعث الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم منهم، واختارهم لتبليغ رسالتِه، ولهذا قال جل
وعلا في القُرْآن: ﴿فَٱسۡتَمۡسِكۡ بِٱلَّذِيٓ
أُوحِيَ إِلَيۡكَۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٤٣وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرٞ لَّكَ
وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسَۡٔلُونَ ٤٤﴾ أَيْ: القُرْآنُ شرفٌ لك، ﴿وَلِقَوۡمِكَۖ﴾ العرب ﴿وَسَوۡفَ تُسَۡٔلُونَ﴾ [الزخرف: 43- 44]،
وسوف تُسْأَلُونَ عن القيام بهذا القُرْآنِ والدَّعْوةِ إِليه، وتبليغِه؛ لأَنَّ
اللهَ حملكم إِيَّاهُ أَنْ تبلِّغوه لبقيَّة العالم فهذا وجهُ تفضيلِ العرب، ما
فُضِّلُوا لأَجْلِ أَنَّهم عربٌ فقط، بل فُضِّلُوا من أَجْلِ ما خصَّهم اللهُ به
من القُرْآنِ والسُّنَّةِ وبعثةِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، وأَنَّهم يقومون
بتبليغ هذا الدِّين، قال تعالى: ﴿كُنتُمۡ
خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ
عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ﴾ [آل عمران: 110]،
وقال: ﴿وَلۡتَكُن
مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ
وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104]
فهذا وجهُ مَزِيَّةِ العرب، إِذا تمسَّكوا بهذا الدِّين وبلَّغوه صار لهم فضلٌ على
غيرهم، أَمَّا من لم يتمسَّكْ بهذا الدِّين فليس له فضلٌ،