×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الأول

 أما الاختلافُ في المَسَائل الفِقْهيّة الاجتهاديَّة التي يَحتملُها الدَّليل فهذا لا يُؤثِّر، ولا يُحْدِث فُرقةً ولا عَداوةً، لأن هذا اجتهادٌ سائغٌ، لكنَّ الاختلافَ في العقيدةِ غيرُ سائغٍ، ولا يَجتمع عليه المُختلفون أبدًا، لا يَجتمع المُختلفون في العَقيدة مهما حاولَ مَن حاولَ، لأنه يُرِيد أن يَجْمَع بين المُتَضَادَّات، ولا يُمكِن الجَمْع بين المُتضادَّات والمُتَناقِضَات.

فإذا كَانوا يُرِيدون وحدةَ المُسلمين فعليهم أن يُصحِّحوا العقيدةَ أولاً، العَقيدة التي كَان الرُّسل من أَوَّلِهم إلى آخرِهم يهتمُّون بها، ويَبْدؤون بها عَليهم أن يُوَحِّدوها أولاً، فإذا وحَّدوا العَقيدة اتَّحَدت الأمَّة، هذا إن كَانوا جادِّين وصَادقين في دعوتِهم، لكنهم يَسْخرون مِن الذِي يتكلَّم في العَقيدة، ويَدعو إلى العَقيدة الصَّحيحة، ويقولونَ: هذا يُكَفِّر الناسَ، ويُريد أن يُفَرِّق المُسلمين، ويريدُ كذا وكذا إلى آخرِ ما يَقُولون.

فنقولُ لهم: لن تَستطيعوا أن تَجْمَعوا المُسلمين على غَير العقيدةِ الصحيحةِ، إذ لو تَوَحَّدت العَقيدة لاجتمَعوا بسهولةٍ: ﴿وَإِن يُرِيدُوٓاْ أَن يَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٦٢وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٦٣ [الأنفال: 62- 63]، ﴿وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ [آل عمران: 103].

فلن يجمعَ الناسَ إلا العقيدةُ الصَّحيحة، التي جاءتْ بها الرُّسُلُ مِن أوَّلهم إلى خَاتَمِهم مُحمَّد: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ [الأنبياء: 25]، ﴿وَإِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱتَّقُونِ [المؤمنون: 52].


الشرح