×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الأول

 مع أن الواجبَ اتباعُ الدليلِ، حتّى في مَسائل الفِقه، قالَ تَعالى: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ [النساء: 59].

لكنَّ الاختلافَ الفِقهي الذي له احتمالٌ وَوَجْهٌ، لا يُحْدِث التفرُّق بين المُسلمين، ولذلك أَهْل السنَّة فيهم الحَنَفيّ وفيهم المَالِكيّ، وفيهم الشَّافِعِيّ، وفيهم الحَنْبَلِيّ، ولم يَخْتلفوا ولله الحمدُ، ولم يتفرَّقوا، لأن هذه اجتهاداتٌ فِقهية لها وجوهٌ، ولها احتمالاتٌ من الأدلَّة.

أما العقيدةُ فعَقيدتهم واحدةٌ: الحنابلةُ والشافعيةُ والمالكيةُ والحنفيةُ عَقيدتهم واحدةٌ - وإن كَان في أَتْبَاعهم من خالفَهم في العَقيدة -.

هذا يُوجد في الحَنابلة، ويُوجد في الحَنفية، ويُوجد في الشافعيَّة، ويُوجد في المالكيَّة: يُوجد فيهم من خالفَ الأئمَّة في عَقيدتهم، إنما يَنْتسب إليهم في الفِقه فقط، وأما في العَقيدة فهو مُخالِفٌ لهم.

فهؤلاء لا يُعتبَرون أَتْباعًا للأئمَّة، لأنهم اتَّبعوهم في شيءٍ وخَالفوهم في شيءٍ أهمَّ منه، فلا يُعتبَرون من أتْباع الأئمَّة وهم يُخالفونهم في العَقيدة.

هذا هو الذِي حَدَا بالعُلَماء - كالبَرْبَهَارِيّ وغَيره - إلى رَسْم الطَّرِيقة الصَّحِيحة المَأخوذة من كِتاب اللهِ وسنَّة رسولِه وهَدْيِ السَّلَف؛ من أَجْل أن يَسير عليها المُسْلِمون، وهذا من النصِيحَة للهِ ولرسولِه ولكِتابه ولأئمَّة المُسلمين وعامَّتهم.

أما لو كانَ الأمرُ خَفِيًّا ولم يُبيَّن ولم تُؤلَّف هذه المؤلَّفاتُ لَضَلَّ كثيرٌ من الناسِ، فهذه المؤلَّفات - وللهِ الحَمْد - نعمةٌ من اللهِ عز وجل، وحُجَّةٌ من اللهِ على خَلْقه ﴿لِّيَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٖ [الأنفال: 42].

**********


الشرح