وأيضًا؛ صلاةُ
الجماعةِ يحصُلُ بها تعارُفٌ بين المسلمين وتراحُم وتعاطُف، وتَفقُّدُ بعضهم لأحوالِ
بعض، أمَّا إذا لم يُصلُّوا الجماعة فإنَّهم لا يعرِفُ بعضهم بعضًا، فصاروا
متنافرين، أمَّا إذا صلُّوا جماعةً في اليومِ والليلةِ خمسَ مرَّات، حصَل
التعارُفُ بينهم والتناصُح، وتفقُّد بعضهم لأحوالِ بعض، وإذا غاب أحدٌ تفقَّدُوه
وسألوا عنه، فإن كان مريضًا عادوه، وإن كان متكاسلاً نصَحُوه.
وقد قال عبدُ اللهِ
بنُ مسعود رضي الله عنه: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا
فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ
اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ
مِنْ سُنَنِ الْهُدَى. وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا
يُصَلِّي ذَلِك الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ.
وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا
يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ. وَلَقَدْ كَانَ
الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي
الصَّفِّ» ([1]).
هذا عملُ الصحابةِ مع صلاةِ الجماعة؛ أنَّهم لا يتركونها، وأنهم يعتبرون المُتخلِّف عنها منافقًا وتاركًا لسُنَّةِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، وأنه ضالّ - ولو تركتُم سُنَّةَ نبيِّكم لضَلَلْتم - وأنَّهم يأتون بالرجلِ المريضِ أو الكبير إذا لم يقدر على المشي، يأتون به يهادى بين الرجلين، كلُّ واحدٍ يأخُذُ بِعَضُدٍ حتى يقيموه في الصَّفِّ، هذا من حِرصِهم على صلاةِ الجماعةِ واهتمامهم بها.
([1])أخرجه: مسلم رقم (654).